تستعيد حلوى "البسكويت والراحة" مجدها وتألقها في ذكرى ​عاشوراء​، فهذه الحلوى التي تنتمي الى التراث الصيداوي باتت توزع في المجالس العاشورائية والمنازل والمحال ليس من باب الترف الغذائي، وإنما نتيجة ارتباط وثيق بالشعائر الروحانية.

وتزخر ذكرى عاشوراء بالعديد من الاطعمة التي ارتبط اسمها بها، من "الهريسة"، الى "القميحة"، و"كعك العباس"، وصولاً الى الراحة والبسكويت التي تُقدَّم عن روحه الطاهرة ثوابًا في المجالس الحسينية طوال ايام الذكرى خلافا لغالبية ايام السنة، اذ نادرًا ما تُقدَّم الا بالمناسبات الدينية.

وتقديم "البسكويت والراحة" كنوع من الحلوى الشعبية، هو عادة اجتماعية درجت منذ فترة ليست بالقصيرة وليس منصوصًا عليها دينياً بقدر ما هو منتج ثقافي يوزع عن روح ابي عبد الله الحسين وحظي بالاهتمام منذ ازمان بعيدة، قبل أن تغزونا الحلويات الحديثة بأنواعها المتعددة، ورغم كل ذلك لا زالت تجد لنفسها محبين في كافة أنحاء الجنوب في ذكرى عاشوراء.

خبرة ومعرفة

داخل احياء صيدا القديمة، وتحديداً في حارة اليهود، ينهمك هاني محمود الخطيب في صناعة حلوى الراحة متابعا بذلك مهنة الأجداد والآباء، فهو ابن عائلتي الخطيب والنقوزي، التي اشتهرت بمهنة صناعة راحة الحلقوم منذ نعومة أظافره من والده، الذي بدوره مارسها أكثر من 35 عاماً عند أهل زوجته من آل النقوزي الذين يشتهرون في صيدا بصناعة هذه الحلويات.

ويقول الخطيب: "تعلمت المهنة من والدي الذي زاولها منذ سن الثامنة، وإنّ هذه المهنة تلقى رواجاً في الشتاء، واقبالا لافتا في المواسم الدينية ومنها عاشوراء والمولد النبوي الشريف والموالد التي يقيمها الناس خلال العام، وخصوصاً داخل صيدا القديمة حيث الطلب أكثر بكثير من بقية المناطق الأخرى".

ويؤكد "أن هذه المهنة تحتاج الى خبرة ومعرفة، وهي تراثية بإمتياز، حيث أخذناها عن جد جدي لأمي، فكان نصير النقوزي "أبو سليمان" من أوائل الذين عملوا في هذه المهنة منذ العام 1800، لذلك يشتهر بهذه المنتوجات آل النقوزي، وهناك من يصنعها من آل البساط، لكنهم إشتهروا أكثر بصناعة الحلاوة والطحينة، فكل عائلة كانت تشتهر بمهنة يتوارثها الأبناء عن أجدادهم ويتميزون بها عن الآخرين".

طبخة الراحة

ويتابع: "نحن نقوم بتوزيع هذه الحلويات الى جزين وكافة المناطق الجنوبية، وخصوصاً في عاشوراء وخلال فصل الشتاء كونها تحتوي على كمية من السكريات، فيكون الطلب عليها أكثر، أما في فصل الصيف فإن ارتفاع درجات الحرارة تجعل الناس تطلب المنتوجات الباردة بشكل أكبر"، ويشير الى "أن معدات صناعة الراحة تحتاج الى آلة لطبخ الراحة يوضع فيها الماء والسكر، وبعد أن تغلي نضع النشاء وحامض الليمون، كي تكتمل الطبخة، ومن ثم نقوم ببقية المراحل من التقطيع والتغليف، وهناك آلات خاصة للتقطيع لكن لا نستطيع شراءها، فنفضل القيام بذلك يدوياً كما كان يتم الأمر في الماضي".

ويشدّد على وجوب الحفاظ على هذه المهنة من خلال الصدق مع الزبائن ومراعاتهم في الأسعار، ويقول: "شعاري البيع بسعر قليل لنبيع كميات كثيرة، وهذه المهنة يمكن أن تلبي الطموحات، لكننا كغيرنا نتعرض للكثير من الصعاب خلال عملنا، ومنها انقطاع التيار الكهربائي الذي إما يضطرنا للتوقف عن العمل أو تركيب اشتراك لمولد يزيد من أعباء وتكاليف عملنا، لأن فاتورة الإشتراك أكبر من الكهرباء".

الوحدة الاسلامية

ومن صيدا الى مجالس عاشوراء، فان الحلوى الصيداوية ما زالت تغزوها ذلك ان المدينة هي الأولى بامتياز، في صناعة البسكويت والراحة وأقراص التمر والمعمول، التي توزع عن روح أبا عبدالله الحسين (ع) وأهل بيته الميامين (ع) وأصحابه الأبرار (رض)، بمناسبة عاشوراء في مختلف الحسينيات والمساجد، كما أنّ المسلمين الشيعة في عاشوراء يفضلون هذه الأصناف، من الحلوى الصيداوية لذيذة المذاق، التي إعتادوا عليها منذ عشرات السنين لجودتها ولذة مذاقها ونكهتها المميزة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يأكله ويتناوله المشاركون في مجلس العزاء الذي يقيمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في دارته في المصيلح، هي راحة الحلقوم وأقراص التمر والمعمول الصيداوية، وما يتناوله أيضا المشاركون في مجالس العزاء في كثير من قرى الجنوب وحتى الضاحية الجنوبية لبيروت، هي راحة الحلقوم وأقراص التمر والمعمول الصيداوية، وهذا خير دليل المحبة، حيث يتحول البسكويت والراحة الى وجه من وجوع الوحدة الاسلامية في زمن كثرت فيه الفتن.