منذ بداية الحملة الرئاسية الاميركية، بدا المرشح الجمهوري ​دونالد ترامب​ وكأنه يسير عكس التيار، حتى ان مؤيدي الحزب الجمهوري انقسموا حيال مسألة تأييده. ومع انحسار المنافسة بينه والمرشحة الديمقراطية ​هيلاري كلينتون​، كان واضحاً ان لسان ترامب سيعمل ضدّه، وكان التخوف من نتائج المناظرات العلنية بين المرشحين. وفي حين دخل ترامب الى المناظرات بدفع معنوي بعد ان ادى العارض الصحي لكلينتون الى تراجعها بسبب التشكيك في وضعها الصحي، خرج المرشح الجمهوري خالي الوفاض، إذ أنه لم يعرف الاستفادة من التقدم الذي حصل عليه والذي ضيّق الفارق مع منافسته، والأهمّ انه تعرض لضربة متقنة في الوقت القاتل، عبر تسريب الكلام الصادر عنه والمسيء الى المرأة بشكل عام، والذي يتضمن تعابير جنسية قاسية بشكل خاص.

لم يعرف ترامب كيفية الخروج من هذا المستنقع الذي سقط فيه، فأخذ يضرب خبط عشواء كل الناس بمن فيهم الحزب الجمهوري، واصرّ انه فاز في المناظرة الثانية على كلينتون رغم كل نتائج الاستطلاعات التي اظهرت عكس ذلك. اليوم، يجد ترامب نفسه شبه وحيد في معركته وعلى بعد اسابيع قليلة على موعد الانتخابات، اي في الفترة الحرجة، فكيف سيكون الوضع؟

لا شك ان الحزب الجمهوري سيعاني من مشكلة اساسية، فحظوظ كلينتون علت بشكل كبير في الآونة الاخيرة، ولعل اكبر دليل على ذلك عدم تورّع العديد من المشاهير توجيه كلام علني يحمل الكثير من السباب والشتائم الى ترامب، وفي ظل تزايد الإنقسام الجمهوري حول تأييد مرشحهم الرسمي، لم يعد من الممكن استبداله لسببين: الاول عدم رغبة ترامب في الإنسحاب، والثاني عدم القدرة على ايجاد مرشح في اللحظات الاخيرة مستعد أن يحرق نفسه ومستقبله السياسي واي حظوظ مقبلة له لرئاسة الجمهورية، للحلول محل ترامب.

من هنا، بدا وكأن رجل الاعمال الشهير وقع في مصيدة لسانه، وهو اللسان نفسه الذي جعله يصل الى مسافة لم يتوقعها احد في السباق الرئاسي، كما ان ابتعاد روسيا عنه شيئاً فشيئاً بعد زلات اللسان، زاد في حراجة موقفه، فالأميركيون لم يتقبلوا علاقة الصداقة التي تجمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأصل لاعتبارهم أن الثاني هو خطر على بلدهم، ولكن البعض رأى في المسألة خطوة إيجابية نحو تحييد هذا الخطر اذا ما وصل المرشح الجمهوري للرئاسة، فيرتاح الاميركيون من همّ مشاهدة حرب باردة جديدة في ظل الصعود الروسي القوي.

لم يعد لدى ترامب ما يخسره، ولكن لم يعد لديه أيضاً ما يقدمه، إلا في حال كان يحتفظ بـ"فضيحة" ما لمنافسته غير البريد الالكتروني وصحّتها، لأنّ كلينتون عرفت كيفية التعامل مع هاتين المشكلتين بحرفيّة كبيرة ونجحت في جعل الناس تنسى مفاعيلهما دون التعرّض لخسائر كبيرة، على عكس منافسها الجمهوري الذي كانت كل مشكلة تزيد في إغراقه في مستنقعات المشاكل.

لم تنفع ملايين ترامب في انتشاله، ولم يؤدّ حضوره وخطابه العلني المباشر سوى الى ازدياد تراجع حظوظه في الوصول الى البيت الابيض، ولم يساعده لسانه في الخروج من المطبّات التي أوقع نفسه فيها، بل على العكس كان الدافع الأبرز لابتعاد الكثير من الأميركيين عنه. قد يكون ترامب اطلق رصاصة الرحمة على نفسه فيما خص طموحه لتبوء المنصب الاول في الولايات المتحدة، ولكن المشكلة الاكبر ستكون لدى الحزب الجمهوري الذي سيعاني من تحكم الديمقراطيين اربع سنوات جديدة (وربما ثماني) بالحياة السياسية، وستكون فترة طويلة للجمهوريين ابتعدوا فيها عن الحكم. ولكن الأهم أن التاريخ سيكتب انهم السبب في حصول عاملين لافتين للمرة الاولى في الرئاسيات الاميركية: وصول أول رجل أسود الى البيت الابيض، وتسليمه الرئاسة الى اول امرأة تصل الى هذا المنصب.