«نزل التيار على الارض» هي ليست المرة الاولى التي تتردد فيها كلمات الاغنية الحزبية العونية الا ان اصداء تلك الكلمات كان وقعها هذه المرة مختلفاً تماماً كما وقع التظاهرة الحاشدة التي دعا اليها التيار الوطني الحر تحت عنوان «يكون الميثاق او لا يكون لبنان»، معالم الاختلاف بدت في ان التجمع العوني الذي لطالما ارتدى لباس الحزن والحداد على شهداء تياره وعلى التهميش والاجحاف والاضطهاد الذي عانى منه العونيون على مدى 26 عاماً وقبله بسنوات حاول العونيون تبديدها واختصار الحزن فيها على اراوح شهداء الجيش الابطال ومن سقطوا في حرب التحرير ورسم معالم تفاؤل وامل بزوال الغيمة السوداء التي ظللت ورافقت مسيرة التيار في سنوات نضاله تتويجاً لوصول زعيمه الى قصر بعبدا، هكذا بدا المشهد قبل ظهر يوم الاحد على طريق القصر، تلك الطريق التي تعرف خطوات العونيين و«دعسات اقدامهم» وقرب تلك الساحة التي افترشوا ارضها لحماية القصر وحماية قائد معركة التحرير قبل 26 عاماً.

واذا كانت تظاهرة العام الماضي اظهرت تمتع عون بشعبية «عونية» وحيث ان عون كان يمهد للوصول الى قصر بعبدا فان تظاهرة الامس اكدت ان عون اصبح عابراً للحدود والحواجز التي ارتفعت طوال ثلاث سنوات عائقاً امام وصوله الى القصر، لتؤكد تظاهرة 2016 ان عون صار على ابواب «قصر الشعب» كما يسميه العونيون ، ذلك القصر الذي دغدغ مشاعر الكثيرين والعونيين منهم والذي انطبعت في اروقته وباحاته صورة تلك الفورة الشعبية التي حصلت قبل 13 تشرين الاول 1990.

بدا واضحاً في اليوم العوني الكبير انه «بروفا» يوم 13 تشرين بما سيقوم به التيار يوم اعلان انتخاب عون رئيساً بدون ان يكلف خطيب الحفل المنسق بيار رفول نفسه مهمة التوضيح مشيراً الى العونيين بقلب تاريخ 13 تشرين ليصبح 13، فالتحرك الشعبي الذي تمت التعبئة له قبل اسابيع لم يتأثر بحرب الالغاء التي شنها عليه مقربون من الخط السياسي نفسه للرابية ومن الاخصام، فبدا ان الجنرال اعطى «كلمة سر» واضحة المعالم تتضمن التهدئة وابداء الانفتاح والنهج الاستيعابي تجاه الجميع، هكذا مرت كلمة رئيس التيار جبران باسيل التي لم يصعد فيها في وجه احد بعد ان كان اعلن قبل التظاهرة «اما الفراغ الرئاسي او عجقة بيت الشعب»، في حين بدا خطاب عون خطاب عهد رئاسي بعيد عن التعبئة والتجييش التي اعتادهما الجنرال كلما وقف او اعتلى المنابر في تاريخه السياسي، وحيث بدا واضحاً وكأن التيار الوطني الحر جسماً ورأساً، قيادة وجمهوراً بدا في يوم بعبدا وكأنه اعطي «ابرة مورفين» سكنت اوجاعه وآلامه.

ويعتبر قياديون عونيون ان التيار الوطني الحر للمرة الاولى، يحتجْ الى عدم تعبئة تجييش مؤيديه لان المخطط الالغائي وتجاوز الميثاقية وعدم الشركة مع الحلفاء في الوطن فعل فعله في النفوس وساهم في تجييش النفوس ودفع عونيين وغير عونيين الى طريق القصر.

الحشد العوني على طريق القصر حمل بحسب مراقبين ليوم 16 تشرين رسائل متعددة ، ابرزها ان عون بات على اعتاب قصر بعبدا بمجرد اعلان سعد الحريري قراره وحسم الترشيح، والى نبيه بري بأن الاعتراض على ترشيحه لم يعد مجدياً ولسليمان فرنجية بأن التمسك بالترشح لم يعد واقعياً . ورغم ذلك فمن راقب يوم الحشد العوني تبين له ان النزول الى الارض كان مغايراً بحلة جديدة ربما ستكون حلة العرس في بعبدا كما يقول العونيون ، فالمؤكد انها المرة الاولى التي ينظم فيها التيار الوطني يوماً حاشدأ جمع بين النقيض عن الامس ، فلا تجييش او توتير او تظاهرات عشوائية وتصاعدية بل صلاة وترانيم دينية بكل لغات الطوائف اللبنانية وانفتاح غير مسبوق ويد مفتوحة للجميع، وفحوى هذا الهدوء غياب التشنج وان الاتفاق مع تيار المستقبل قطع اشواطاً بعيدة.

باكراً جداً بدأ يوم العونيون في بعبدا حاملين لافتات موضوعها واحد «انتظار وصول الجنرال الى بعبدا»، وصوراً لعون وباسيل وروكز وشعارات تشبه في بعضها شعارات الماضي بتعديلات طفيفة تتعلق بالمستقبل ومنها مثلاً صورة عملاقة كتب عليها «شكراً دكتور سمير جعجع»، فالمواكب السيارة انطلقت من المناطق اللبنانية عند الصباح فيما توجه المنظمون ليلاً وناموا في الطرقات المحاذية للقصر، التنظيم العوني خضع لرتوشات وتجميل جعل الاحتفال ارقى من احتفالات اخرى غلب عليها طابع التشنج والتوتير. فالواضح ان المناسبة جمعت او اختلط فيها الاحتفال بذكرى الشهداء واحتمال وصول عون الى قصر بعبدا والتعاطي مع هذا الحدث الانتقالي من مرحلة الى اخرى تتطلب نهجاً واستراتيجة مغايرة.

كل العناصر كانت حاضرة في الاحتفال، الصلاة المشتركة الاسلامية والمسيحية، الارشاد الرسولي وكلام البابا يوحنا بولس الثاني والفاتحة على ارواح الشهداء، وفي المناسبة كلمات لكهنة ولمشايخ شيعة وسنة ودروز وصلاة السلام عليك يا مريم والآذان لاعطاء المناسبة طابعاً وطنياً.

ولكن المناسبة لم تكن بالمطلق «حزينة» كما الاعوام السادسة والعشرين وكأن كلمة سر اوحت للعونيين بالفرح الصامت والمعبر الممزوج بالالم او بتأجيل الفرح لبضعة ايام او ربما ساعات ريثما يعلن سعد الحريري انطلاق الخطة الاولى في طريق بضعة الامتار الى القصر. لسان حال العونيين من الحشد ان «ما أخذ ذات يوم بالقوة العسكرية يسترد اليوم بالارادة والقوة الشعبية»، هكذا غاب الغضب العوني الماضي ولو ان الجزء الاكبر من يوم امس كان مخصصاً للشهداء.

التظاهرة اثبتت ان عون لا يزال يمثل الرقم المسيحي الصعب، وهو قادر على الحشد تحت مختلف العناوين رغم كل الفيتوات والخصومات والعراقيل، وخطاب عون بلغة تصالحية مع الجميع كان بدأها من مقابلته التلفزيونية الاخيرة سهَل على البعض فهم ان التيار قطع مسافة كبيرة في الاستحقاق الباقي مجرد تفاصيل، وان التيار لا يغالي بالتفاؤل فثمة ايجابية حقيقية وبان عون انجز تفاهمات شملت الجميع.