في زمن الفِتَن، أُريدَ لكلّ جبهة عربية في هذا الشرق ان تشهد انقسامًا بين محوري المقاومة وخصومها المحليين والاقليميين والدوليين. يحصل هذا حاليًا في الموصل العراقية وحلب السورية وفي لبنان مع معركة ترشيح رئيس تكّتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون للرئاسة.

لنلاحظ المشهد عن كثب:

• قبيل البدء بمعركة تحرير الموصل من داعش واخواتها، تصدر الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ مشهد المناورة. قدّم نفسه رافعًا لواء الدفاع عن السنّة. لم يقُل انه في ذلك يواجه ايران والشيعة، ولكنه أوحى مرارًا بذلك رافضًا إحلال الحشد الشعبي مكان السكان الأصليين. في خلفية المشهد يُطابق موقف اردوغان موقفي أميركا وإسرائيل، وكذلك مواقف بعض دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. هذه الدول جميعًا لم ولن تقبل بسهولة انتهاء حروب وجبهات المنطقة بانتصار لمحور المقاومة المدعوم حاليًا بالطيران الروسي وبالموقف الصلب للرئيس فلاديمير بوتين.

• مع تقدم ​الجيش السوري​ وحلفائه خصوصًا حزب الله وروسيا باتجاه الأحياء الشرقية لمدينة حلب، قصف الجيش الاميركي الجيش السوري في دير الزور، وتزامن ذلك مع تحليلات ومعلومات عن خلاف بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والقيادة العسكرية الأميركية في البنتاغون، الرافضة ضمنيًا التعاون مع روسيا، ثم جرت حركة حثيثة إقليمية ودولية لتوحيد عدد من الفصائل المسلحة وتوريد سلاح جديد لها وفي مقدمه الصواريخ المضادة للطائرات. هنا أيضًا ليس سهلاً على المحور الآخر القبول بانتصار للجيش السوري وايران وحزب الله وروسيا، لأنه بعد أن تهدأ غبار معركة حلب تكون الحرب السورية دخلت في منعطفها الأخير ويكون محور المقاومة قد أنجز الجزء الأكبر مما وعد به الرئيس السوري ​بشار الأسد​ وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ومرشد الثورة الإيرانية السيد على خامنئي اكثر من مرة. لذلك فان المعركة تشهد وستشهد استعدادات قتالية هائلة منعا لتحقيق الانتصار، بالرغم من كل الكلام عن تقارب تركي-روسي قد يساعد في تحييد اردوغان عن معركة الشمال السوري. وفي هذا كثير من المغالاة، ذلك ان اردوغان ينتظر فقط تغيير الإدارة الأميركية للعودة الى بازار المناقصات والعروض السياسية ليعرف من سيعطيه أكثر: أميركا أم روسيا.

• حين نأتي الى لبنان، نجد ان خلفيّات التعقيدات هي نفسها من الموصل الى حلب فالرئاسة اللبنانية. هنا أيضا ومهما قيل عن أسباب داخلية موجبة، فان الأساس هي الخيارات السياسية الاستراتيجية لرئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون. تبين على مدى السنوات الست الماضية ان عون بقي وفيا لمحور المقاومة ممثلا بحزب الله والأسد ولم يقبل كل الاغراءات والعروض التي جاءته لتغيير جلده. صحيح انه لم يقبل ان ينحصر داخل ثنائيات مذهبية وطائفية في لبنان، وانه بعد ورقة التفاهم الشهيرة التي جمعته وحزب الله قبل سنوات، حرص على توسيع هامش العلاقات الى تيار "المستقبل" ورئيسه ​سعد الحريري​، لكن الصحيح أيضا أن عون لو صار رئيسا للجمهورية فهو لن يكون مطلقا الا نصيرا للمقاومة ضد إسرائيل وسيحافظ بدون شك على علاقة الود التي جمعته بالرئيس السوري بشار الأسد. في هذا السياق يقول أحد العائدين من دمشق مؤخرا ان موقف القيادة السورية واضح لا لبس فيه، فالعماد عون هو الخيار الوحيد. لا يعني هذا أنّ سوريا تعتبر عون أقرب اليها من رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، لكنها ترى انه في الظروف الراهنة فان الجنرال يمثل شريحة واسعة من المسيحيين وان تعاونه الوثيق مع حزب الله يضمن حصانة لبنانية قوية للتعاون السوري اللبناني لاحقا عبر الحدود وفي ملفات كثيرة أخرى. الأسد نفسه قال اكثر من مرة لزواره ان عون "حاربنا بشرف وصالحنا بشرف وان من يفعل هذا جدير بالثقة".

لو نظرنا اذا الى هذه الملفات الثلاثة، أي الموصل وحلب والرئاسة اللبنانية، نستنتج ان تعقيداتها هي نفسها حتى ولو اختلفت نسب تلك التعقيدات، فمن استخدم داعش وكل إرهاب العالم للإبقاء على احتلال الموصل وحلب ومنع الحكومتين الشرعيتين في العراق وسوريا من استعادة ارضهما، هو نفسه تقريبا من منع وصول التسويات في لبنان الى مرحلة انتخاب أكثر المرشحين شعبية وتمثيلا برلمانيا وشرعية من الوصول الى الرئاسة.

فهل اذا من قبيل الصدفة ان نشهد الكثير من الحلحلة في ملف الرئاسة اللبنانية (رغم استمرار الصعوبات) مع بداية حسم ​معركة الموصل​ والمشارفة على الانتهاء من معركة استعادة حلب؟

الأكيد، ان التاريخ يكرر نفسه، لن يكون في لبنان رئيس إنْ لم ترتح سوريا. ويبدو أنّها مقبلة على تطورات لصالح محور المقاومة. القضية مسألة وقت. والرئاسة كذلك.