تواجه ميشال عون مع الورقة البيضاء التي طلبها سليمان فرنجية من زملائه النواب ومع محاولات تفخيخ فوزه والتشويش على انتخابه فكانت النتيجة ان يوم الاثنين الابيض توَج ميشال عون رئيساً للمجمهورية بعد سنتين وثمانية اشهر من الفراغ فكانت العودة الثانية «للجنرال» الى القصر الذي أزيح بالقوة منه، ونفي خمسة عشر عاماً وتمت محاربته بعد عودته ليكون يوم 31 بفارق قلب الارقام عن يوم 13 تشرين الاول يوماً استثنائياً في تاريخ ميشال عون الرئيس «13» للجمهورية. اليوم المجلسي الذي طال انتظاره لا مثيل له في تاريخ الانتخابات الرئاسية، اليوم الطويل «مر» بصعوبة وحبس الانفاس رغم قناعة الجميع بان ميشال عون رئيساً بدورة اقتراع او اثنتين.

داخل الجلسة «شيء ما لا يصدق» تلاعب بأعصاب الحاضرين، نواب ورسميين ودبلوماسيين، وخارج البرلمان تلاشت اعصاب و«فرحة» العونيين وجمهور ميشال عون وهم يشهدون انتخابات أقرب ما تكون الى المهزلة والتي ادت الى تكرار الاقتراع ثلاث مرات قبل ان يفوز عون بالاقتراع الرابع.

وفي حين كانت اجواء ما قبل الجلسة اشبه الـى العـرس الديموقراطي المكتملة عناصره من تحضيرات القصر الجمهوري الى المسيرات الجماهيرية والاحتفالية العونية وحتى سيارة المرسيدس المصفحة التابعة للرئاسة حيث كان فوز ميشال عون محتماً من الدورة الاولى وفق «البوانتاجات» التي اعطت ترجيحات اصـوات بـ 94 صوتاً، فان اجواء الجلسة تميزت بالتشنج وتوتير الاجواء التي حرص اخصام عون على اشاعتها لتفويت الفرحة الكبيرة على ميشال عون ونوابه ووزرائه وعائلته، وما جعل الجلسة اشبه بفيلم أميركي «طويل» تشعبت احداثه بين عدم الفوز بالثلثين الى احتساب 128 نائباً في صندوقة الاقتراع بدل 127 صوتاً.

وقد بدا من الصباح ان «عدة» العرس والتحضيرات كانت جاهزة جميعها في المجلس من قبل نواب التيار الوطني الحر والقوات، فوقف على باب المجلس «مسؤول» البروتوكول النيابي العوني النائب ابراهيم كنعان ومعه النواب سيمون ابي رميا وآلان عون وحكمت ديب ومن القوات النائب جورج عدوان في حركة لم تهدأ لاتمام العرس الكبير يتبادلون الكلام والتهنئة سلفاً ما قبل الانتخابات مع النواب الواصلين الى الجلسة، وحتى النائب «الغائب» عصام صوايا تقصد ان يعوض عن غيابه عن المجلس بحركة لافتة تجاه الصحافيين ليشكل صوايا احد نجوم الجلسة الى جانب النائب عقاب صقر الذي غاب كما حضر بوجه متجهم فاجأ الاعلاميين، في حين حرص صوايا على تأجيل الكلام عن غيابه القسري بحجة الاعمال والحضور عندما يستلزم الامر للوقوف الى جانب رئيس تكتل الاصلاح والتغيير اما الحديث عن الغياب فمؤجل الى ما بعد الجلسة.

حدة الجلسة وتناقضاتها لم تلغ حدث وضوضاء حضور «سيدات» القصر الثلاث «كلودين وميراي وشانتال «بالابيض الرئاسي الذي يليق بالمناسبة والى اناقة وحضور النائبة ستريدا جعجع والفنانة جوليا بطرس برفقة زوجها الوزير الياس ابو صعب. ما قالته جعجع لم يكن غريباً بعد انجاز تفاهم معراب، فالسيدة التي حرصت على اطلالتها البيضاء قصدت ان تعتبر الانتخابات فرصة جديدة للبنان لاعادة تنظيم الدولة، وعلى توجيه كلام الى القواتيين لطي صفحة الماضي نهائياً والتذكير بمساهمة الحكيم بصناعة رئيس «صنع في لبنان» وبدور في انتخاب رئيس كان للقوات تاريخ اسود معه. والى الحضور النسائي المميز في جلسة الامس، كان لافتاً «الهيصة» والحماس الذي رافق وصول الجنرال السابق شامل روكز وقائد الجيش جان قهوجي واللواء عباس ابراهيم من جيش الاعلاميين خارج المجلس.

مضى «فخامة الرئيس ميشال عون» الى قصر بعبدا والتساؤلات بقيت على حالها حول «من فعلها» ورمى الظرفين الانتخابيين للتشويش على العملية الانتخابية وحول هوية من قام بالعملية غير الموفقة والتي اعطت انطباعاً سيئاً واثارت امتعاض واستهجان النواب المؤيدين لعون والحضور الرسمي في الجلسة.

انتعش المجلس النيابي ودبت الحياة في اروقته التي تسلل اليها الملل منذ نزع ميشال عون عن المجلس صفة الشرعية عنه، مثلما انتعش قلب عون ونوابه ومن صوتوا له عن قناعة في يوم العرس الديموقراطي لانهاء الفراغ الرئاسي، فيما كانت ملامح عدم الارتياح واضحة على محيا من صوتوا بالورقة البيضاء ومن خرجوا باحباط بعد محاولات تحويل الانظار عن الحدث الكبير تارة برمي اصوات «ميريام كلينك» او كتابة عبارات وشعارات ثورة الارز.

والى حين تبيان الخيط الابيض من الاسود لمعرفة من «شاغب» في مدرسة نبيه بري فان خلاصة اليوم الرئاسي في المجلس يمكن اختصارها على الشكل التالي، فاز عون والنتائج كانت محسومة سلفاً لكنها المرة الاولـى التي يحصل «هرج ومرج» في انتخابات رئاسية على النحو الذي حصل، نواب الامة يحاولون اخذ الانتخابات الى مكان آخر باللعب بمصير الجلـسة والـرأي العام يشاهد اللعبة على الهواء، و«المسخرة» وقعت امام أعين السلك الدبلوماسي والاعلام العالمي، وهي من المرات القليلة التي تشـهد انتخابـات مجلسـية ما حصل ، تماماً كما هي المرة الاولى التي يفوز فيها رئـيس «صنع في لبنان» في حين ان رؤساء الجمهورية السابقين من الرئيس شارل دباس حتى ميشال سليمان وصلوا الى الرئاسة بقرار ودعم خارجي، وهي المرة الاولى كما يقول احد النواب العونيين التي يصل فيها احد أقوياء الموارنة ممن له تمثل نيابي ووزاري واسع، فميشال عون انجز تفاهمات مار مخايل ومعراب والمستقبل وبالتالي كان هناك مسعى واضح لافساد الجـلسة لم يكتب لها الفشل لان ما كتب قد كتب في الاستحقاق الرئاسي وبالتالي فان انتخاب عون بدون شك فاتحة مرحلة جديدة وهو سيفرض معطى مختلفاَ لم يكن معروفاً في عهود الطائف.

جلسة انتخاب ميشال عون رئيساً بدأت الساعة الثانية عشرة ظهراً في ساحة النجمة برئاسة رئيس المجلس نبيه بري وحضور 127 نائباً، وجرت دورة الاقتراع الاولى التي حصل فيها عون على 84 صوتاً مقابل 63 ورقة بيضاء، بعدها جرى ابطال الدورة الثانـية بسبب زيادة عدد النواب المقترعين 128 نائباً بدل 127، وبعد تسجيل النائب سامي الجميل اعتراضه جرت الدورة الثالثة بعد ان عين بري النواب مروان حمادة وانطوان زهرا مراقبين لعملية وضع المغلفـات في الصنـدوق وطـلب بري من النواب النزول شخصياً للانتخاب لحسم العملية، وكان الرئيس بري وصف الجلسة «بمدرسة المشاغبين».