تطورات كثيرة تشهدها منطقة الشرق الاوسط وبشكل متسارع، خصوصاً على جبهة سوريا والعراق وتركيا. وفيما دول العالم تضطلع بدور رئيسي في هذه التطورات خصوصاً في الشق الميداني والعملي، تبدو اسرائيل الدولة الوحيدة التي اخذت دور الامم المتحدة في المنطقة، اي الاكتفاء بالمراقبة. صحيح ان ​الاستخبارات الاسرائيلية​ فاعلة وبقوة، وان المساعدة اللوجستية للمعارضة السورية وبعض المنظمات الارهابية لم تنقطع، الا ان الدور العسكري الاسرائيلي انحسر بشكل كبير، حتى ان الطائرات الاسرائيلية لم تعد تشاهد فوق الاراضي السورية بعد ان مرت فترة نشط فيها الطيران الحربي الاسرائيلي وقصف اماكن عدة في سوريا.

التراجع الاسرائيلي والاكتفاء بالمراقبة يعود الى جملة امور اهمها ان المسالة في المنطقة دخلت نفق التسوية الشاملة، وبدأت الامور تأخذ شكلها لجهة تحديد الادوار، وحيث لا دور بعد لاسرائيل فيها. ففي ظل التواجد الاميركي والروسي والاوروبي والايراني، تبدو اسرائيل بعيدة عن هذه الطاولة، خصوصاً في ظل دخول تركيا القوي من الناحية العسكرية على الخط، حيث استطاعت ان تفرض نفسها وتعيد دورها بعد المصالحة مع روسيا.

وفي مقابل التراجع العسكري الاسرائيلي، ينشط العمل على الصعيد الدبلوماسي، حيث تمكنت تل ابيب من نسج خيوط اتصالات سياسية مهمة اعادت فيها العلاقات مع تركيا وعززت تلك التي تربطها بروسيا، كما تنتظر هوية الفائز في ​الانتخابات الرئاسية​ الاميركية لاستعادة الحياة في العلاقات بعد جمود ضربها بفعل تحرك الادارة الاميركية الحالية نحو ايران وابتعادها عن التدخل المباشر في المنطقة من الناحية العسكرية.

ما الذي ستستفيد منه اسرائيل في هذا المجال؟ من المؤكد ان لا نية للاسرائيليين في الدخول على الخط العسكري لاراض عربية، لذلك اقتصر الامر سابقاً على القيام بضربات جوية، ولكن حتى هذا الامر سيكون موضع درس متأن في المرة المقبلة. لكن الفكر الاسرائيلي يذهب الى ابعد من ذلك، فالصورة الجديدة للمنطقة من شأنها ان تجعل الدول العربية تتراجع من حيث النفوذ، وبالاخص الدول الخليجية، وبالتالي سيجد هؤلاء انفسهم قابلين بما سيعرض عليهم من سيناريو من اجل الوصول الى سلام في المنطقة، وهذا بالطبع يحتاج الى اقامة سلام مع اسرائيل.

بدأت تل ابيب عملها في هذا السياق، وقررت طرق ابواب العديد من الدول العربية مستغلة الانقسام العربي الكبير الذي تسببت به الحرب في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولاقت بالتأكيد تأييداً لمبادرتها هذه من قبل البعض فيما تردد البعض الآخر في قبول المباردة دون ان يرفضها.

رهان اسرائيل هو على ان حصول اتفاق سلام معها او على الاقل تطبيع العلاقات من قبل الدول العربية، سيجبر لبنان على الانضمام، ما يعني ان حدودها ستكون آمنة ولن يكون هناك من حاجة للعيش بقلق وتوتر، وعندها ستكون الابواب العربية مفتوحة امامها من الناحيتن الاقتصادية والمالية ما يعني ازدهارها في هذا المجال على حساب العرب انفسهم، كما ان طريق وارداتها الى الخارج سيصبح اكثر سهولة.

ومن المنطقي السؤال عن السبب الذي سيدفع اسرائيل الى التدخل عسكرياً في اي حرب تشهدها دولة عربية، اذا ما كانت كل اهدافها ستتحقق دون هذه المشاركة، وبمجرد المراقبة فقط معرفة الوقت المناسب للتدخل والقيام بما تجيده في فنون المراوغة والحيل من اجل "تسويق" نفسها على انها دولة محبة للسلام والتآخي.

هل ستعالج اسرائيل مشكلة رفض العديد من المجتمعات الاوروبية لها بانفتاح على الدول العربية لكسب تأييد عدد منها ونزع صورة "العدو" المطبوعة عليها، ام انها ستعمد الى المراهنة على قضية خاسرة في كسب المحبة العربية لها، في ظل ممانعة صارمة من دول معدودة؟