انتظروه من شرفة القصر التي اطل منها عليهم قبل ستة وعشرون عاماً ولكنه اختار ان يطل بصورة رسمية كما يخاطب عادة الرؤساء «الشعبويين» جماهيرهم ، باطار مختلف عن الماضي في الشكل لكنه نفسه في المضمون، فالعماد ميشال عون او فخامة الرئيس كان هو نفسه الذي وقف قبل ربع قرن امام شعبه «العظيم» يدعوهم الى الثورة والتحرير ولكن بخطاب «ثوري» اليوم يدعو الى الاصلاح ومحاربة الفساد وبناء دولة المؤسسات...

مشى رئيس الجمهورية وهو يخرج من الباحة الداخلية للقصر على «السجادة الحمراء» ليقف متوسطاً الاعلام البنانية يحيط به «رفاق» اطلالاته عام 1990 النائب اللواء ادغار معلوف وكان وزيراً في حكومة عون العسكرية، اللواء نديم لطيف المدير العام للامن العام آنذاك، العميد ميشال ابو رزق قائد الحرس الجمهوري آنذاك، النقيب حبيب فارس مرافق العماد عون آنذاك، والمنسق العام للمكتب المركزي بيار رفول الذي كان ينظم المسيرات الشعبية في ذلك الوقت.

رفع «الجنرال» شارة النصر كما في الماضي البعيد قبل ان ينطق بعبارة شعب لبنان العظيم السحرية التي ارتبطت بالحقبة النضالية العونية، تلك الكلمات السحرية التي الهبت «جمهور» عون الذي حج يوم امس الى « بيت الشعب» لتهنئة رئيسه، كانت كافية لبث الحماسة .

لم يرفع ميشال عون في خطابه شارة التيار الوطني الحر فهو صار رئيساً و«بي» الجميع وكذلك «صودرت» اعلام البرتقالية من قبل المنظمين رغم ان المناسبة «عونية» فأبواب القصر وباحاته اشتاقت لـ«شعب» عون، فكان لا بد من التفاتة وفاء من قبل «فخامة» الـرئيس لهذا الجمهور وتخصيص يوم له في بعبدا بـعدما كانت العادة ان الرؤساء الاثنا عشر الـذين سـبقوه اختصروا مناسبة التهنئة بالشخصيات الرسمية، هي اذاً المرة الاولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية التي يخرج فيها الشعب لتهنئة رئيسه، الشـعب حضر في يوم الشعـب وفـي قصـر الشعـب الذي كادت تتبدل ملامحه بعيداً عن الرسميات والشكليات.

على المنصة الرسمية جلس نواب عون ووزراؤه واصدقاؤه وعائلته عند القاء الكلمة ليعود هؤلاء للاختلاط بالجمهور الذي صفق الجميع لميشال عون اولاً وللواء شامل روكز، ولـ«ميراي» «عقل» الجنرال المتوقع ان تكون في فريق مستشاري الرئيس ولشقيقاتها شانتال وكلودين مع حرصهن على الابتعاد عن البروتول والتجول بين الحشود في يوم الشعب.

لا يحتاج الامر الى توضيح، المشهد تبدل كثيراً بين الامس واليوم، المقر الرئاسي الذي خرج منه مـيشال عـون استعاد حيويته ووهجه بعد سنتين وثمانـية اشـهر من الفراغ وحدها دموع الفرح حلت مكان تلك المخاوف التي غلبت احاسيس شعب عون في ليالي تشرين الاول من العام 1990. لم يحدث في تاريخ دول كثيرة ان رئيساً اسقط بالقوة العسكرية و«أخرج» من مقره الرئاسي الى المنفى يعود الى حيث كان قبل 26 عاماً بقوته السياسية واصراره وبارادة شعبه وبانتخاب حصل في ظروف اقليمية وسياسية معقدة، فرحلة الخروج من القصر استغرقت ستون دقيقة وحصلت تحت قصف طائرات السوخوي وتطويق القصر اما رحلة العودة فطالت 26 عاماً عاد اليها ميشال عون باصوات 83 نائبا بعدد سنوات سنينه.

بالنسبة الى جمهوره، عون هو القائد، لم تسهم سنوات التهميش والظلم في تغيير ملامح العناد في شخص «الجنرال»، فهو استطاع في اجماع من حضر احتفال يوم الشعب في بعبدا ان يحافظ ويحتفظ بتلك الجاذبية التي لا مثيل لها والقدرة على التأثير والتفاعل مع الجماهير ومؤيديه.

اذا كان ما حصل في 13 تشرين الاول 1990 مؤلماً بسقوط شهداء وعسكريين توزعوا بين «النعوش» والمعتقلات، فان يوم تجديد البيعة لعون لم ينس تلك اللحظات التي كانت حاضرة بقوة في كلمة عون الذي حرص على ان خسارة معركة «لا تعني اننا انسحقنا، خسرنا ولكن بقينا واقفين ولم يتوقف نضالنا بل تحول من النضال المسلح الى النضال السلمي».

واذا كان عام 1990 حمل سمة نهاية العهد العوني فان 2016 هو بداية عهد عوني مختلف وبداية الحلم الجديد و«ما على الناس الا ان يناموا وبيوتهم مفتوحة في هذا العهد» كما وعد الرئيس الجديد.

ماذا اراد عون من يوم «بيت الشعب»؟ يقول عونيون «هذا قصر وبيت للشعب الذي وقف الى جانب زعيمه وليس ملكاً او حصرية للتيار الوطني الحر هو بيت الشعب ورئيسه بمواصفات استثنائية «بي الكل»، اراد عون ان يكون يوم وفاء لتجديد الالتزام بالمسيرة ولقول «شكرا» لهذا الشعب ومعاً نكمل المسيرة».

ذكريات تظاهرات ومسيرات 1989 كانت جميعها حاضرة، «رح نبقى هون مهما العالم قالوا» الاغنية العونية التي ارتبطت بتلك الحقبة، «الخيمة» شاحنة التفاح التي تعطلت بفعل الزمن فاضطر العونيون لوضعها على عربة نقل لتحضر في احتفال يوم الشعب، زمورالجنرال «تاراتتا» «الجرس» الكبير الذي يرمز على الدخول والعودة الى القصر. اما الجمهور فيشبه نفسه، عسكر ومعتقلين سابقين ذاقوا انواع التعذيب، ومسافرين عادوا الى الوطن من اجل هذه المحطة بالذات، ومعتقلي رأي ومن كتبوا على الطرقات «عون راجع» ووزعوا مناشير ليلية».

عونيون من كل المناطق من عرسال وعكار والجنوب والمتن وبعبدا وكسروان الى كل الاطراف حضروا لتجديد البيعة لمن قال: «العالم يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي كلمات لعون يستحضرها عونيون في يوم الشعب مذيلة بعبارة ارتياح مفادها «شوفوا وين صرنا... من المنفى الى القصر».

«رح نبقى هون مهما العالم قالوا»، «رشوا الفل العسكر طل» تلك الاغاني التي كانت تتردد في قاعات بعبدا صدحت مجدداً بالامس في قصر بعبدا وساحاته، معالم الاختلاف ظهرت في ان التجمع العوني الذي لطالما ارتدى لباس الحزن والحداد على شهداء تياره وعلى التهميش والاجحاف والاضطهاد الذي عانى منه العونيون على مدى 26 عاماً وقبله بسنوات حاول العونيون تبديدها واختصار الحزن فيها على اراوح شهداء الجيش الابطال ومن سقطوا في حرب التحرير ورسم معالم تفاؤل وامل بزوال الغيمة السوداء التي ظللت ورافقت مسيرة التيار في سنوات نضاله تتويجاً لوصول زعيمه الى قصر بعبـدا، هكذا بدا المشهد قبل ظهر يوم الاحد على طريق القصر، تلك الطريق التي تعرف خطوات العونييين و«دعسات اقدامهم» وقرب تلك الساحة التي افترشوا ارضها لحماية القصر وحماية قائد معركة التحرير قبل 26 عاماً.

باكراً جداً بدأ يوم العونيين في بعبدا حاملين لافتات موضوعها واحد «فخامة الرئيس والعهد الجديد»، فالمواكب السيارة انطلقت من المناطق اللبنانية عند الصباح فيما توجه المنظمون ليلاً وناموا في الطرقات المحاذية للقصر، التنظيم العوني خضع لرتوشات وتجميل جعل يوم الشعب ارقى من احتفالات اخرى غلب عليها طابع التشنج والتوتير... لسان حال العونييين من الحشد ان «ما أخذ ذات يوم بالقوة العسكرية يسترد الـيوم بالارادة والقوة الشعبية»، هكذا غاب الغضب العوني وحل الامل بمستقبل واعد وبرئيس وعهد يحمل التغيير.