بالنسبة إلى الكثيرين، شكل فوز المرشح "الجمهوري" ​دونالد ترامب​ في الإنتخابات الرئاسية الأميركية مفاجأة من العيار الثقيل، لا سيما أن أغلب إستطلاعات الرأي كانت تعطي الأرجحية إلى منافسته المرشحة عن الحزب "الديمقراطي" ​هيلاري كلينتون​، نظراً إلى الخبرة السياسية الكبيرة التي تتمتع بها.

في السباق الحالي إلى البيت الأبيض، كان من الواضح أن الناخب الأميركي لا يثق بالمرشحين، لكن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في ترجيح كفة ترامب في الساعات الأخيرة، الأمر الذي قاده إلى أن يصبح "سيد" البيت الأبيض، في ظل المخاوف التي تسيطر على الكثيرين حول العالم بسبب شخصيته المثيرة للجدل.

لماذا فاز ترامب؟

على هذا الصعيد، تؤكد أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتورة ​ليلى نقولا الرحباني​، في حديث لـ"النشرة"، أن النتيجة لم تكن مستغربة بالنسبة إلى المطلعين على حقيقة الأوضاع في الداخل الأميركي، أي غير المتأثرين بما يقال في وسائل الإعلام فقط، نظراً إلى أن الأخيرة كانت جزءاً من الحملة الدعائية الخاصة بالمرشحة كلينتون، حيث كانت تعطيها تفوقاً دائماً على ترامب.

وتشير نقولا إلى أنه في اليومين الأخيرين أعطت تلك الإستطلاعات تقارباً في الفوز بين المرشحين، لكي تحفز الناخبين على المشاركة بشكل أكبر في عملية الإقتراع، خصوصاً أن نتائج الإنتخابات البريطانية كانت حاضرة في الأذهان، فالنتائج الإيجابية قد تقود إلى التراخي من جانب المقترع، وترى أن ما نشره موقع "ويكيليكس" عن خديعة تعرض لها منافس كلينتون على ترشيح الحزب "الديمقراطي" بيرني ساندرز خدم ترامب إلى حد بعيد، الأمر الذي دفع بعض الولايات المحسوبة على هذا الحزب إلى التصويت إلى المرشح "الجمهوري" إنتقاماً.

من ناحية أخرى، تلفت نقولا إلى أن ترامب نجح في إستغلال عاملي الخوف والغضب لدى المواطن الأميركي، في إشارة إلى الخوف من الإرهاب والغرباء لا سيما أن وسائل الإعلام عملت على تضخيم الخطر، والغضب من فشل الإدارات السابقة لا سيما على المستوى الإقتصادي.

من جانبه، يوضح السفير اللبناني السابق في واشنطن عبد الله بوحبيب، في حديث لـ"النشرة"، أنها ليست المرة الأولى التي تخطىء إستطلاعات الرأي في الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ويذكر بما حصل مع الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان، حيث كانت أغلب وسائل الإعلام تتحدث عن أنه لن يصل إلى البيت الأبيض.

ويلفت بو حبيب إلى أن ترامب نجح في اللعب على التناقضات العرقية في الداخل الأميركي، بالتزامن مع رغبة الشعب بالتغيير بسبب غياب الكمياء مع المؤسسة الحاكمة، ويشير إلى أن الإنتخابات التمهيدية برهنت على هذا الأمر، ويضيف: "لولا سيطرة المؤسسة على الحزب الديمقراطي كان من المفترض أن يكون ساندرز هو منافس ترامب".

وفي حين يوافق بو حبيب على وصف ما حصل بـ"الإنقلاب"، يوضح أنه لا يمكن التكهن إذا كان للأفضل أم للأسوأ، ويلفت إلى أن الرئيس باراك أوباما كان أيضاً "إنقلاباً" على المؤسسة الحاكمة إلا أنه عاد ودخل في "اللعبة"، ويضيف: "أغلب القيادات "الديمقراطية" و"الجمهورية" كانت مؤيدة لكلينتون نظراً إلى أن هذه المؤسسة كانت تفضل بقاء الوضع الراهن".

ترامب والشرق الأوسط

بالنسبة إلى قضايا الشرق الأوسط، تشدد نقولا على أن الخطر كان من إحتمال فوز كلينتون، مع العلم أن ترامب له مواقف عنصرية تجاه المسلمين في الداخل الأميركي، حيث تشير إلى أن أولوية الرئيس المُنتخب هي محاربة الإرهاب والتوافق مع روسيا حول الأحداث السورية، في حين أن المرشحة الخاسرة كانت تريد إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وتقديم المزيد من الأسلحة إلى مجموعات المعارضة المسلحة.

وفي حين تؤكد نقولا أن ترامب قد يكون أفضل لمنطقة الشرق الأوسط، تشير إلى أنه لا يستطيع إلغاء الإتفاق النووي الموقع مع الجمهورية الإسلامية في إيران، نظراً إلى إقراره من جانب مجلس الأمن الدولي، في حين أن الشركات الأميركية لم تنفتح بشكل كبير على طهران، أما بالنسبة إلى الدول الخليجية فليس هناك من فرق مع الإدارات السابقة، حيث أن المرشح "الجمهوري" تحدث صراحة عما كان يحصل فعلياً بطريقة غير مباشرة.

بدوره، يشير بو حبيب إلى أنه لا يمكن التكهن بما قد يقدم عليه ترامب، فهو لم يكن في السابق في موقع الحكم ولم يتحدث عما يريد أن يقوم به، بل قال ما لا يريده فقط، ويعتبر أنه عادة يكون الشخص الذي تعرفه أفضل من الذي تجهله.

ويرى بو حبيب إمتعاضاً سعودياً وإيرانياً من فوز الرئيس المُمنتخب، بالرغم من التناقض الواضح في سياسة الدولتين، فالمرشح "الجمهوري" يريد إعادة النظر بالإتفاق النووي من جهة، ويريد أن تدفع السعودية ثمن الحماية التي تقدم لها من جانب واشنطن من جهة ثانية، ويضيف: "الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يكون سعيداً، لأن ترامب يعتبر أن المهم بالنسبة إليه هو من يقاتل "داعش" لا من يحكم سوريا".

في المحصلة، نجح ترامب في تحقيق ما كانت تعتبره الأغلبية "معجزة"، لكن لا أحد قادر على التكهن بما قد يقدم عليه الملياردير المثير للجدل لدى تسلمه السلطة فعلياً من أوباما، لا سيما بالنسبة إلى العلاقة مع دول منطقة الشرق الأوسط.