ثمة من يؤكد ان حكومة سعد الحريري وصلت الى خواتيمها وتنتظر ساعة الصف لاعلانها بعدما تجاوزت تقريباً كل العقد امامها وهي عراقيل لا تقاس بتلك التي كانت توضع اثناء تشكيل الحكومات الماضية التي كانت تطيل عملية التأليف شهوراً طويلة وهذا ما لا ينطبق على حكومة سعد الحريري اليوم بحسب اوساط متابعة لعملية التأليف، خصوصاً ان القرار متخذ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية بتسريع الولادة الحكومية التي ستنجز الانتخابات النيابية . وعليه فان المرحلة الحالية كما تقول الاوساط اشرفت على مرحلة الاسماء المرشحة لدخول الوزارة وهي المرحلة الاقل صعوبة لان المرحلة الاصعب يتم تخطيها والمتعلقة بتوزيع الحصص على القوى السياسية خصوصاً ان حكومة سعد الحريري هي الاولى التي تجري بعد تبدل الظروف واختلاط 8 آذار بفريق 14 آذار وتبدل خريطة التحالفات السياسية.

واذا كانت حصة الرئيس نبيه بري حسمت تقريباً بعدما اعلن بري وزيره علي الخليل وزيراً مرة جديدة في وزارة المالية حاسماً عدم تحديه بالنكايات وحيث تتوزع الحصة الشيعية بينه وبين حزب الله الذي بالاساس اوكل التفاوض الى بري، فان حصة النائب وليد جنبلاط توضحت معالمها بترشيح النائب السابق أيمن شقير والنائب مروان حمادة مع اشراك الكتائب والمردة في الحكومة وبقاء مؤكد للوزراء جبران باسيل ونهاد المشنوق، لذا فان الحكومة بدأت مرحلة العد العكسي، وحيث ان الاسماء الاخرى يصعب تأكيدها ومنها الاسماء الارثوذكسية، فمنصب نائب رئيس الحكومة لم تتبين معالمه بعد اذا ما كان نائب رئيس الوزراء عصام فارس سيشارك في الحكومة وحيث تتوقع اوساط ان تكون مشاركته كما مسألة حضوره مفاجئة ربما.

فحضور نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس الى قصر بعبدا «فاتحة» المهنئين بالعهد الجديد اثار عاصفة تساؤلات حول توقيت الزيارة وظروفها وربطها مباشرة بعودة فارس الى الموقع السياسي الذي كان يشغله قبل ان يغادر لبنان قبل اكثر من 12سنة قبل ان يعود الاخير لنفي اي صلة لحضوره بالاستحقاق الحكومي، فان وقع زيارة الاخير كان له منحى ومعنى مختلفاً عما رآه الرأي العام في هذه الخطوة، فحضور «دولة الرئيس» المعروف بوطنيته و«آدميته» «ولا انتماءات سياسية» محددة وعلى حساب خلق هامش ارتياح على الساحة الارثوذكسية خصوصاً ان الساحة الارثوذكسية تفتقر الى شخصيات لها وزنها وحجمها وخصوصاً ان تسلسل الاحداث ودورانها أخرج لاعبين اساسيين من الارثوذكس من حلبة او مسرح العمل السياسي.

وبغض النظر عما اذا كان «دولة الرئيس» سيعود او لا يعود الى العمل السياسي، فان موضوع التمثيل الارثوذكسي في الحكومة مطروح في الصالونات الضيقة خصوصاً انه غير واضح المعالم بعد بحسب الاوساط، حيث تدور التسميات والخلافات حول كل الحقائب وبين كل الطوائف فيما لا احد يشاكس من قبل الارثوذكس، بخلاف الحكومات السابقة التي كان يرتفع فيها الصوت الارثوذكسي مطالباً بالانصاف وحصر التسمية في عملية التأليف في الحكومات بمرجعيات ارثوذكسية لها وزنها.

فان عملية التأليف القائمة حالياً لا تواجه اعتراضات من داخل الطائفة، وغياب الصوت الاعتراضي قد يكون مرده الى عدة عوامل، اولها غياب الشخصيات الأرثوذكسية المؤثرة في القرار السياسي والقادرة على تسهيل او وقف التأليف، فالارثوذكس لا يملكون احزاباً على غرار تيار المستقبل او القوات اللبنانية التي يشكل توزيرها عقدة العقد في حكومة سعد الحريري نظراً للفيتوات عليها او على غرار الشيعة المتمثلين بحركة امل وحزب الله العصب المسلم القوي في اي تشكيلة حكومية، وربما بسبب غياب او تراجع دور زعامات أرثوذكسية وسقوط البعض في الحسابات السياسية الخاطئة.

ولا يختلف اثنان ان الطائفة اليوم عاجزة عن إيجاد زعيم على غرار الطوائف الباقية في المجتمع اللبناني تقول الاوساط، وهذا بحد ذاته عامل يدفع الآخرين الى تهميشها وتجاوز مطالبها وجعلها ملحقة بالتكتلات الاخرى الفاعلة والمؤثرة... اما غياب الصوت الارثوذكسي المعترض فربما بسبب الاتفاق السياسي الذي حصل وانتج رئيساً للجمهورية بعد فراغ سنتين ونصف وربما لان الشخصيات الارثوذكسية التي شاءت الظروف السياسية وتبدل المعطيات ان تكون بديلاً عن قيادات اساسية ارثوذكسية هي ضمن النهج السياسي الجديد، فالواضح والمتداول ان رئيس الجمهورية سيسمي وزيراً ارثوذكسياً قد يكون الوزير الياس بو صعب، او ايلي الفرزلي عراب «القانون الارثوذكسي» الذي احدث جدلاً واسعاً على الساحة السياسية وتبنته الرابية في حال كان القرار السياسي خوض معركة قانون الانتخاب فيما لا يزال يطرح اسم عصام فارس كنائب رئيس من حصة رئيس الجمهورية، في حين يطرح توزير غسان حاصباني من القوات اللبنانية، وتترك تسمية وزيرين لمفاوضات التأليف وتعقيداتها بين حصة فرنجية او الكتائب او المستقبل.

لم يتحدث احد في التشكيلة الحكومية الراهنة عن عقدة ارثوذكسية، فالحكومة تواجه عقداً كثيرة على الساحة المسيحية بتوزير القوات واعطائها حقائب تترجم تفاهم معراب وتعبر عنه فيما تم حسم الحصص السنية والشيعية، ويروي المتابعون أن تأليف الحكومة الحالية واجه شتى انواع التعقيدات، وحدها العقدة الأرثوذكسية يبدو حلها سهلاً وغير معقد، فالاسم «الأرثوذكسي» المطروح للوزارة يتم استبداله وإلغاؤه بشطبة قلم ومن دون أن تخوض تلك المرجعية أو الأخرى معركة لحسابه.

الواقع الأرثوذكسي ليس جديداً إنما تتفاقم المشكلة وتظهر الى العلن عند حلول الاستحقاقات في رأي الاوساط، لكن يبدو ان الطائفة الارثوذكسية ليس لديها مشكلة مع الحكومة اليوم رغم ان احداً لا يفاوض الارثوذكس لكن يتم التفاوض باسمهم، فثمة منصب بحجم نائب رئيس مجلس الوزراء واربعة وزراء تتفاوض عليهم التكتلات الكبرى والقوى السياسية. فالطائفة المسيحية الثانية عددياً لدى الطوائف المسيحية لا تقرر في الاستحقاقات ولا تملك قرار «الفيتوات» الذي تملكه الاحزاب ربما لان الطائفة الارثوذكسية صبغت بلون الاحزاب العلمانية وربما لان شخصياتها لم تشارك في الحرب اللبنانية مثلما فعلت طوائف اساسية كان لها ميليشياتها واحزابها، ربما بسبب غياب قيادات وتراجع حضور ووهج أخرى، وبالتالي فان الطائفة التي انتجت اول رئيس للجمهورية اللبنانية يلاحقها التهميش وغياب الحضور في الادارات وفي الديبلوماسية والمؤسسات الامنية والمديريات.