على الرغم من التحولات الكبيرة التي تطغى على الساحتين الإقليمية والدولية، لا يبدو أن الرهان على عناصر جبهة "​فتح الشام​"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، انتهى، لا سيما من جانب الولايات المتحدة، التي من المتوقع أن تدخل مرحلة جديدة بعد تسلم الرئيس المُنتخب ​دونالد ترامب​ السلطة بشكل فعلي، مع العلم أن أغلب الخطط العسكرية والأمنية كانت توضع على أساس فوز المرشحة "الديمقراطية" ​هيلاري كلينتون​ بالسباق الرئاسي.

قبل أيام قليلة، قرر الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​ أن يعطي أوامره لوزارة الدفاع بتحديد أماكن قادة "فتح الشام" في سوريا واستهدافهم، بالتزامن مع وضع العديد من قيادات الجبهة، أبرزهم الداعية السعودي عبدالله المحيسني، على قوائم واشنطن الإرهابية، في حين كان هذا الأمر نقطة خلاف أساسية مع الحكومة الروسية، التي كانت تُصر، في جميع المحادثات الثنائية مع الولايات المتحدة، على ضرورة شمول الجبهة بالعمليات العسكرية إلى جانب تنظيم "داعش"، مقابل رفض واشنطن ذلك بحجة عدم القدرة على الفصل بين "فتح الشام" والفصائل التي تصنفها "معتدلة".

ما تقدم، من وجهة نظر مصادر مطلعة، لا ينفصل عن عودة الدعوات، في صفوف الفصائل السورية المسلحة، إلى ضرورة التوحد تحت راية "الجيش الحر"، إنطلاقاً من أن الخطاب الإسلامي المتطرف لا يصب في مصلحتها، خصوصاً في ظل التوجه إلى إستهدافها بسبب ذلك، وإمكانية إنقلاب الأمور رأساً على عقب مع وصول ترامب الذي يحمل أفكاراً متشددة ضد الإسلاميين، وهو يرتبط إلى حد بعيد بالخطوة التي قامت بها "النصرة"، قبل أشهر، على مستوى فك الإرتباط مع تنظيم "القاعدة".

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنه داخل هذه الفصائل هناك مقارنة بين حالتين: الأولى متمثلة بقوات "درع الفرات" التي تقودها ​الحكومة التركية​، أما الثانية فهي "​جيش الفتح​" الذي تسيطر عليه "فتح الشام" على نحو بعيد، وتضيف: "في الحالة الأولى لا أحد يتحدث عن التجاوزات وخطر الجماعات الإرهابية بالرغم من أن القسم الأكبر من القوات موجود في "جيش الفتح"، في حين أن في الثانية تطرح العديد من علامات الإستفهام، ولا تستطيع العديد من الجهات تقديم الدعم المطلوب بشكل علني".

وتلفت المصادر نفسها إلى أن بعض الفصائل عاد إلى طرح العودة إلى فكرة التوحد تحت راية "الجيش الحر"، نظراً إلى أنه لا يزال يتمتع بـ"الشرعية" اللازمة على المستويين الدولي والإقليمي، وبالتالي من الممكن أن يكون بوابة العودة إلى تلقي مختلف أشكال الدعم، بالإضافة إلى الحماية من الإستهداف من قبل كل من موسكو وواشنطن، وتشدد على أن تداعيات التمسك بالأجندات الإسلامية المتشددة خطيرة جداً، لا يمكن في ظلها الذهاب بعيداً، وبالتالي من المفترض على جميع الأفرقاء إعادة النظر في توجهاتها.

بالنسبة إلى هذه المصادر، القرار الأخير الصادر عن الرئيس الأميركي يصب في هذا الإتجاه، أي الضغط للتخلي عن الخطاب المتطرف، بسبب الرغبة في الإستثمار في هذه الجماعات، وتوضح أن أوباما أراد من جهة أن يوجه رسالة إلى الفصائل المتشددة بأن الوقت حان لكي تأخذ القرار الصعب، كي لا تكون عرضة للإستهداف من جانب بلاده في المرحلة المقبلة، ومن جهة ثانية هو يعتقد أنه من خلال إستهداف قيادات "فتح الشام" يدفع باقي العناصر إلى الإبتعاد عنها والإنخراط في الفصائل الأخرى التي تصنف "معتدلة"، وتضيف: "ليس هناك أي مبرر آخر لهذا القرار، لا سيما أن واشنطن هي التي كانت مترددة سابقاً في إستهداف "النصرة"، وكانت تحصر الأمر ببعض القيادات التي يتم إغتيالها بين وقت وآخر".

وعلى الرغم من تأكيد المصادر نفسها أن هذا التوجه لا يزال معقداً بعض الشيء، توضح أن الأمور لن تستمر على هذا المنوال بعد الإنتهاء من معركة تحرير حلب بشكل كامل، التي باتت قريبة بعد الإعلان الروسي عن إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في الأراضي السورية، نظراً إلى أن هذه المعركة سيكون لها تداعيات كبيرة على معنويات المسلحين وأهدافهم، ستدفعهم في نهاية المطاف إلى "عقلنة" الخيارات والتوجهات، ولا تنفي أن يكون هناك إتفاق دولي أو إقليمي حول هذا الأمر.

في المحصلة، لم ينته الرهان على تحول في توجهات بعض الجماعات المسلحة العاملة على الساحة السورية، يدفعها إلى الإبتعاد عن الأفكار المتشددة، تمهيداً لإستثمارها سياسياً في المرحلة المقبلة، ولكن هل ينجح في تجاوز العقبات؟