على مدى سنوات طويلة، لم تكن السعودية بعيدة عن دائرة الأحداث السياسية اللبنانية، لا سيما في مرحلة ما بعد إتفاق الطائف، بالرغم من أنها كانت توضع تحت عنوان "الوصاية السورية"، إلا أن الأنباء في الفترة السابقة، أي ما قبل إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كانت تتحدث عن إبتعادها، بسبب الخلاف حول دور "حزب الله" الإقليمي، في سوريا واليمن والعراق والبحرين، مقابل عجز حلفائها عن القيام بأي أمر على صعيد المواجهة.

بعد إنتخاب "الجنرال" رئيساً، يبدو أن هناك مساراً جديداً في العلاقات اللبنانية-السعودية، يتمثل بالحرص على إرسال الموفدين إلى بيروت، بالتزامن مع إرسال إشارات بإمكانية إعادة تحريك الهبتين العسكريتين، عند تلبية رئيس الجمهورية الدعوة لزيارة الرياض في ظل عدم وضوح الرؤية العامة، فهل تراهن المملكة على إبعاد العماد عون عن "حزب الله"؟

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن العلاقات الإيرانية السعودية لا تزال في مرحلة المواجهة في أكثر من مكان، في حين أن الرياض تعتبر أن "حزب الله" هو أبرز الأجنحة العسكرية التابعة لطهران في المنطقة، وبالتالي هي ستعمل على محاولة محاصرته بأي طريقة، ولا تستبعد أن يكون الإنفتاح على رئيس الجمهورية ضمن هذا المخطط، خصوصاً أن بعض حلفاء "الجنرال" يسعون إلى الترويج لنظرية أن الحزب هو من يعرقل إنطلاقة عهده.

وتؤكد هذه المصادر أن الرياض، في الفترة الأخيرة، لم تكن تبدي أي إهتمام بالساحة اللبنانية، وتذكر بما نقل عن لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، عند الحديث عن مبادرة رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ إلى تبني ترشيح العماد عون، أن بلاده غير معنية بهذه الخطوة، والحريري حر في خياراته، لكن الرياض لن تكون معنية حين تقع المشاكل مع "الجنرال"، وتعتبر أن السعودية، على ما يبدو، بدلت وجهة نظرها عندما وجدت أن سوريا وإيران كانتا أول من بادر إلى تهنئة رئيس الجمهورية الجديد، نظراً لحاجتها إلى الساحة اللبنانية، وهي سعت إلى مواكبة التسوية عبر إرسال وزير الدولة لشؤون الخليج السعودي ثامر السبهان، قبل الإنتخاب، ومستشار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل في الأيام الأخيرة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقوم به الرياض في الوقت الراهن يندرج ضمن سيناريوهين لا ثالث لهما، فهي ترى أن المنطقة ذاهبة إلى مروحة واسعة من التسويات، وبالتالي تريد الإحتفاظ بكامل أوراق قوتها قبل الوصول إليها، أو أنها تعتبر أن الأولوية لا تزال لسياسة المواجهة، ما يحتم السعي إلى محاولة تسجيل النقاط على المنافس الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، أي الجمهورية الإسلامية في إيران، وليس هناك أهم من محاصرة "حزب الله" على المستوى الداخلي.

وتعتبر المصادر نفسها أن الرياض ترى أن من الأفضل التعاون مع رئيس الجمهورية الجديد، لضمان وقوفه إلى جانبها أو على الأقل إبقائه بعيداً عن المعادلة الداخلية، بعد أن كان التيار "الوطني الحر" من أبرز حلفاء الحزب على المستوى الداخلي، لا بل حتى يؤمن له الغطاء الوطني الذي يحتاج إليه، وهي تدرك جيداً أن الخطاب الذي يسبق الوصول إلى الرئاسة سيختلف عما هو عليه في سدّة الحكم، وتضيف: "من الأفضل بالنسبة للسعودية تقوية رئيس الجمهورية في المرحلة الراهنة، خصوصاً في ظل تفاهمه مع حزب "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل"، بالتزامن مع بروز العديد من الخلافات مع قوى الثامن من آذار".

على هذا الصعيد، تجزم المصادر بأنه حتى الساعة لا يمكن الحديث عن خلافات بين العماد عون وقيادة الحزب، لا بل تؤكد أن العلاقات أكثر من ممتازة، لا سيما أن التيار "الوطني الحر" يدرك أن وصول "الجنرال" إلى قصر بعبدا ما كان ليحصل لولا تمسك "حزب الله" به مرشحاً وحيداً، لكنها تحذر من أن مساعي الإيقاع بين الجانبين ستكبر في الأيام المقبلة، وهي ستشمل الكثير من الجهات المحلية والإقليمية والدولية، وتشدد على أن لبنان لا يزال ساحة مواجهة أساسية بالرغم من التسوية القائمة.

في المحصلة، عادت السعودية من جديد لحجز موقع لها على الساحة اللبنانية، في ظل الصراع القائم مع إيران على مستوى المنطقة، لكن هل تنجح في قلب المعادلة السياسية؟