عهد الرئيس العماد ميشال عون الذي اقلع منذ ثلاثة اسابيع بانتخابه في مجلس النواب الشرعي جداً واستمد مزيداً من شرعيته بانتخابه لعون الطاعن فيها، لا يحتاج الى قنابل موقوتة تفخخ عهده الجديد. او تبديد الايجابية التي ضخها التفاؤل بعون وبعهده وبالدعم غير المسبوق من كل الدول الغربية والعربية، اذ لم يبق دولة الا وهنأت مباشرة او بالهاتف او بالبرقيات كما ارسلت الدول الاقليمية "الاساسية" موفدين لها من ايران الى السعودية وقطر. فلا تكفي الاملاءات والتوجيهات التي لا ينفك يوجهها ساكن معراب الى عون وفريقه الاستشاري والسياسي تحت لواء التفاهم الرئاسي الذي ساهم في فك عقدة عون الى بعبدا. كما لا ينفك المعرابي الاول يطلق التصنيفات ويحدد الاحجام ويقيس الاوزان ويملي التوزير وتوزيع الحقائب. رغم ان ذلك يتطلب البدء بنفسه وان يدرك حجمه الطبيعي ويعود اليه. وفي مطلق الاحوال يفترض بسمير جعجع ان يدرك وان يتيقن جيداً ان كل ما يقوله او يفرضه لا يصرف الا في معراب، واذا اراد عون ان يصرفه في الرابية فهو حر.

في المقلب الآخر بدأت ترتفع اصوات عونية - رئاسية في الشكل، معرابية في المضمون وتهدد بحكومة الامر الواقع اواخر الجاري. ورُبطت المهلة بعودة الوزير باسيل من البرازيل، فيما تنصل الرئيس الحريري من هذه المهلة باعلان اوساطه امس انه باق للاشراف على انتخابات المستقبل التنظيمية. وقال الحريري ان لا مهل ولا ارتباط بين اعلان التأليف او سفر او عودة باسيل الميمونة.

وفي حين يعرف الرئيسان عون والحريري ان هذا الامر اقرب الى الجنون السياسي من الانتحار الجماعي، يُفترض بالرئيسين الجديدين بعد طول انتظار قراءة الواقع السياسي قبل الدستور، لان الدستور الذي يفسره كل على ذوقه واضح وصريحة مواده ،لكنها للاسف لا تُحترم ويتم الاجتهاد فيها وفق مصلحة الجهة او الحزب او الطائفة التي تجتهد.

ففي شباط من العام 2014 تشكلت الحكومة التي تصرف الاعمال اليوم برئاسة الرئيس تمام سلام، بعد 11 شهراً من التكليف والمشاورات وكانت في الاساس حكومة اجراء الانتخابات النيابية وملء الشغور الرئاسي موقتاً لا ان تستمر ما يقارب ثلاثة اعوام. وخلال الاحد عشر شهراً اطفأ الرئيس سلام محركات التأليف اكثر من مرة ولوح ساكن بعبدا السابق وصاحب العهد الخشبي السيئ السمعة والممارسة، ميشال سليمان وجماعته بإعلان حكومة أمر واقع وبمن "حضر" لكنه لم يجرؤ لا هو ولا تمام سلام ان يقوما بهذه الفعلة.

وهذا المثال يقود ايضاً الى القول اليوم لكل من تسول له نفسه اللعب بهذه النغمة ولو من باب التفكير، ان يرجع الى التاريخ والى الاشهر الماضية والى العهود السابقة ليقرأ ويتمعن.

فالمطالبة بالميثاقية واحترام خصوصية الآخر والقتال ليحصل على حقوقه، خاضته الطائفة الشيعية وخصوصاً حزب الله لمصلحة الطوائف الاخرى وخصوصاً الطائفة المارونية. وآخرها وصول عون الى بعبدا كرئيس لأكبر كتلة نيابية مسيحية وأكبر ممثل في طائفته مارونياً شعبياً وسياسياً وعبر تحالف مع الطائفة الشيعية ولحاق الآخرين بتأييد حزب الله لعون والقتال حتى وصوله الى بعبدا. ما يحدث اليوم وهو بدأ قبل انتخاب عون حيث عمد تحالف القوات والتيار الوطني الحر الى اقصاء ممثلي الطائفة الشيعية والاسلامية من مجلس نقابة الاطباء في بيروت ومن ثم في نقابة المحامين في بيروت وبينهما الانتخابات التمهيدية او الفرعية لنقابة المهندسين. ويحكى اليوم عن كباش غير مسبوق بدأ في الوزارت التي للتيار الوطني الحر يد طولى فيها وللتضييق على جماعة الرئيس بري وحركة امل، ما دفع الاخير الى تحريك الشارع كله دفعة واحدة من المياومين الى السائقين الى متعاقدي الجامعة اللبنانية ومتعاقدي التعليم الرسمي وليس انتهاء بسلسلة الرتب والرواتب التي ستتحرك قريباً مع الاعلان عن بنود موازنة العام 2017.

فصحيح ان الدستور يؤكد حق رئيسي الجمهورية والحكومة في اعلان التشكيلة الحكومية وتوقيع مراسيمها وادارة ملف التأليف والمشاورات، لكن العرف السياسي منذ الطائف وحتى اليوم يقوم على مبدأ التوازنات السياسية والطائفية، بما ان الجميع يتبجح بالنظام الطائفي والمذهبي ويقاتل حتى الموت عن حقوقه الشخصية والطائفية والمذهبية. فالكتلة الاساسية التي تمثل الاحزاب الطائفية الكبرى هي من تسمي ممثليها ومندوبيها في مجلس الوزراء ووفق احجامها الطبيعية والتمثيلية في مجلس النواب. وعلى سبيل المثال حصل الشيعة وفق تركيبة الـ24 وزيراً على خمسة شيعة من الوزراء ويمثلون 27 نائباً، فيما يفاوض بري ايضاً باسم 50 نائباً ويريد عون والحريري ان يعطيا هذا التحالف الكبير الذي يضم امل وحزب الله والقومي والمردة وارسلان ومراد وسعد 6 وزراء او 7 على ابعد تقدير. بينما يحصل حليف التيار وحده، القوات على 4 وزراء حزبيين صافين من اصل 8 نواب ووزير خامس من حصة القوات ومحسوب عليها وهو ميشال فرعون.

التهويل باعلان حكومة امر واقع بمن حضر يفترض تذكير من يريد المغامرة في بداية العهد برصيده، انه يغامر من كيسه وحده فلا يمكن تكريس اعراف اقصائية والغائية جديدة من بوابة الممارسة والصلاحية الدستورية، والقفز فوق الحقوق والميثاقية، او تجاوز الطائفة الشيعية وما تمثل وكذلك التحالف الوطني الذي تمتلكه على امتداد لبنان ومن دون الاتهامات بالسلاح والحروب والامتدادت الاقليمية. فوحدها الحكومة الجامعة التي تمثل كل الناس بواقعية وعقلانية وتحضر للانتخابات النيابية بقانون نسبي وحضاري وعصري يمكن ان تبصر النور. وكل ما عدا ذلك تضييع وقت، ولمن يريد ان يتعظ فليتذكر الاشهر الـ 30 التي تعطل فيها انتخاب الرئيس كرمى للرئيس الواصل حديثاً الى بعبدا.