منذ خمس سنوات، وربما أكثر، تندلع حرائق الحروب والاضطرابات في عالم الإسلام، من باكستان وأفغانستان في الشرق الى مصر وليبيا وتونس والجزائر في الغرب، ومن جمهوريات آسيا الوسطى في الشمال الى السودان والصومال في الجنوب، مروراً بتركيا والعراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن في الوسط.

الحرائق المتمادية امتدت أخيراً الى حارة اليهود في فلسطين المحتلة، وهل يشكّل ملايين اليهود الستة في فلسطين أكثر من مجرد حارة بالمقارنة مع تعداد عالم الإسلام الذي يربو على مليار وخمسمئة مليون؟

حرائق حارة اليهود المشتعلة والمتفاقمة على مدى أسبوع امتدّت إلى بلدات العرب وقراهم، ومع ذلك لم يتورّع بعض مسؤولي الكيان الصهيوني العنصري عن اتهام العرب بأنهم يقفون وراء «انتفاضة الحرائق»، كما أسماها موقع «واينت» التابع لصحيفة «يديعوت احرونوت».

جحيم النيران الممتد من حيفا ومحيطها في الشمال الى القدس الشريف ومحيطها في الجنوب التهم أكثر من 20 الف دونم من المساحات الحرجية وأتى على آلاف المنازل والمؤسسات والمرافق في حيفا وبعض المستوطنات بالإضافة الى بلدة امّ الفحم العربية في المثلث. وإذ عزا فريق من المسؤولين الإسرائيليين أسباب الجحيم الناري الى الجفاف وعوامل الطبيعة، قال فريق آخر أكثر نفوذاً وتأثيراً إنها «مؤامرة كبرى» على «اسرائيل» وإنها بالتالي حرائق متعمَّدة اشعلها أشخاص بدافع قومي مشيرين بذلك الى الفلسطينيين داخل «الخط الأخضر».

هل يعقل ان تكون جماعة واحدة، اياً كانت هويتها، قادرة على اشعال آلاف الحرائق على امتداد مساحات بمئات الكيلومترات؟

وزير تعليم الحقد المعتّق للصهاينة العنصريين، زعيم حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، تجرّأ على الادعاء بأن «فقط مَن لا ينتمي الى هذه البلاد قادر على إحراقها»! حسناً، العرب هم أهل البلاد الأصليون ما يُبعد عنهم منطقياً هذه التهمة. لكن بينيت لا يعتبرهم كذلك، وهو بالتالي يعنيهم دون غيرهم بأنهم وراء الحرائق الهائلة.

بنيامين نتنياهو لمّح هو الآخر الى مسؤولية العرب عن افتعال الحرائق «بهدف الإخلال بالامن»، معتبراً «أن كل نيران أُضرمت بشكل متعمّد هي إرهاب وبموجب ذلك سيجري التعامل مع الفاعلين».

نتنياهو وبينيت ومسؤولون آخرون عنصريون بامتياز استغلوا ردود الفعل الشامتة التي ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي لسوق اتهامات بلا أدلة ضد العرب بأنهم وراء الجحيم الناري الذي عصف بـِ «اسرائيل». ولعل من أطرف التغريدات التي ظهرت على «تويتر» قول احدهم إنّ الكارثة التي اصابت اليهود الصهاينة هي انتقام من الله تعالى لقيامهم بإلغاء أذان المساجد في القدس!

تستدعي الكارثة التي نزلت بالكيان الصهيوني وتسبّبت بأضرار مادية واقتصادية هائلة التوقف عند حقائق ثلاث بارزة:

الأولى، أن الجحيم الناري الذي عصف به أخيراً لم يكن الاول في القرن الحادي والعشرين. ففي 2010 شبّ حريق هائل في جبل الكرمل قرب حيفا استمرّ نحو أسبوع قبل ان يُخمد بمساعدة دول عدّة، ابرزها الولايات المتحدة وروسيا، ويتضح من حال الإرباك والاضطراب والفوضى التي سادت «إسرائيل» أن حكومتها لم تستفد من تجارب الماضي اذ بدا مسؤولوها وأجهزتها عاجزين عن إخماد الحرائق المتمادية ومضطرين تالياً الى مناشدة الكثير من دول العالم مساعدتهم لإطفائها.

الثانية، أن الجبهة الداخلية في «اسرائيل» ما زالت تشكّل الخاصرة الرخوة المعرّضة لأخطار جمّة. فرغم مرور نحو عشر سنوات على حربها العدوانية ضدّ لبنان سنة 2006، ونحو سنتين على اشارة قائد المقاومة السيد حسن نصرالله الى وجود خزانات ضخمة في مصفاة حيفا تحتوي مئات الأطنان من الامونيا، وأن بمقدور المقاومة تفجيرها بسهولة بصاروخٍ موجّه او أكثر فإن حكومة «إسرائيل» وقيادة جيشها ومجالس بلدياتها لم تستطع حتى الآن التوافق على تحديد مكان آمن لنقلها إليه. ذلك كله يرشّح دولة العدوان إلى كارثة أعظم بكثير من «انتفاضة الحرائق» التي عصفت بها أخيراً.

الثالثة، أن «اسرائيل» التي تتباهى بأن لديها اقوى جيش نظامي، وأقوى طيران حربي، وصواريخ هي الأطول مدى في الشرق الاوسط ما زالت عاجزة عن إطفاء حرائق يعترف معظم مسؤوليها بأنها ناجمة عن عوامل الطبيعة، فكيف سيكون وضعها عموماً ولا سيما وضع منطقة ثلثها العمراني والصناعي والبشري المعروفة بـِ «غوش دان» الممتدة بين حيفا ويافا على ساحل المتوسط عندما تتعرّض، بحسب آخر التقديرات الاستراتيجية صحيفة «جيروزاليم بوست» 2016/11/18 في «الحرب المقبلة مع حزب الله الى 1500 – 2000 صاروخ في اليوم الواحد مقارنةً بــِ 150 – 180 صاروخاً في اليوم خلال حرب 2006»؟

إذ تبدو «إسرائيل» عاجزة أمام حرائقها في الحاضر وأمام كوارث ساحقة ماحقة في حروب المستقبل، فإن العرب والمسلمين على امتداد عالمهم لا يبدون في حال أفضل أمام الحرائق والحروب وتنظيمات الإرهاب والعنف الأعمى الناشطة في معظم دول غرب آسيا منذ سنوات. ولعل أكثر الأمور مدعاة للحزن والحبوط أن استشراء هذه الحرائق والحروب في تلك الدول لا تدفعها كما لا تدفع بطبيعة الحال دولاً كبرى معادية لها الى التبصّر في ما هي عليه من حال مزرية وبائسة للبحث الجاد عن مناهج ومقاربات وآليات للخروج من أزماتها، إذ نراها مع ذلك ممعنة بل موغلة في المزيد من الشيء نفسه، أي في الأزمات والحروب التي لا نهاية لها.

هل كثير علينا، من فرط التشاؤم، أن نتساءل: هل تعمّ الحرائق العالم برمّته بعد أن يمسك دولاند ترامب المتهوّر بمقاليد السلطة في أقوى دول الكون؟

وزير سابق