اكتمل شمل تيار المستقبل في مؤتمره العام في «البيال» بلم شمل كامل ونقص القليل، فحضرت شخصيات لطالما ابتعدت في سياق الاحداث الاخيرة عن زعيم المستقبل او غابت عن الساحة السياسية فيما غابت شخصيات اخرى على غرار الوزير أشرف ريفي الذي «تمرد» وخرج من تحت لواء تيار المستقبل. فلم الشمل تحت عنوان المؤتمر العام وفق اوساط «مستقبلية» كان خطوة ضرورية وفي هذا التوقيت بالذات بعدما أنجز الحريري تموضعاته السياسية الجديدة واعاد رسم خريطة تفاهمات مختلفة وهو الذي كان أصاب تياره بصدمة تبني ترشيح شخصيتين من فريق 8 آذار فيعود ويسير بخيار العماد ميشال عون رئيساً محبطاً قيادات مستقبلية على تماس تاريخي مع زعيم الرابية.

كان لا بد لتيار المستقبل ولرئيسه الفائز بالتزكية لرئاسة تياره وعلى ابواب الدخول في مرحلة سياسية جديدة وفيما يهم سعد الحريري لوطء عتبة السراي الحكومي، ان يجري تلك المكاشفة وللمرة الاخيرة امام فريقه تضيف اوساط المستقبل، وهو الذي تكبد اجتماعات مكثفة لاقناع المقربين منه وقياداته الاساسية بالاسباب والموجبات التي جعلته يسير بالتسوية وينصّب ميشال عون رئيساً وان يعمل الحريري على ترميم ما اصاب تياره من اضرار بعد الانتخابات البلدية ووضعه على السكة الصحيحة بعدما اضاع هو وتياره البوصلة الى الطريق الصح في السياسات الخاطئة للمستقبل التي كادت تطيح بالزعامة وتوصل قيادات من داخل البيت الواحد.

أراد سعد الحريري ان تكون اطلالاته في المؤتمر العام مختلفة واستثنائية برأي الاوساط نفسها، فالمؤتمر العام الاخير الذي انعقد برئاسة الحريري في العام 2010 كان في عز وهج الحريرية السياسية عندما كان الحريري رئيساً للحكومة، وسعى الحريري الى تأكيد استمراره على نهجه وثوابته وبانه الحريري نفسه الذي لا يفرط بشهادة والده وبتقديم مبررات التسوية التي وضعت البلاد على الطريق السليم، وبدون شك على تبديد الهواجس والتساؤلات التي تقلق جمهوراً من قيادات المستقبل سواء في كلمته او الدردشات الجانبية مع الكوادر والقيادات. والاطلالة بدت متغيرة وفق مستقبليين، فحكومة الحريري على وشك ان تبصر النور بعد حلحلة عقد ليست اساسية فمن أنجز الانتخابات الرئاسية ليس صعباً عليه ان ينجز تركيبة حكومية. كما ان الحريري كما يقول مستقبليون يحاول ان يقنع قيادات في المستقبل بان التعاون مع الرئيس الجديد يسير بوتيرة جيدة مبدياً ارتياحه للتعاطي مع الرئيس المنتخب ويطمئن من يسأله عن مسار التأليف بانتهاء العقد تقريباً وبانه متفائل بالعهد الجديد الذي سيكون فاتحة لمرحلة ايجابية وجديدة للبنان.

ورقة المستقبل السياسية لم تخرج عن سابقاتها مع اضافات طرأت حتمها وصول الحريري القريب الى الرئاسة، فالى جانب قرار المستقبل بالمحافظة على سكة الاعتدال تشديد مستقبلي على تأمين الاستقرار والامن والتزام النأي بالنفس عما يحصل في الخارج، وفي حين ان مؤتمرات سابقة كانت تحفل بالتشنج ضد حزب الله والتصعيد فان الحريري الذي يقوم بانعطافة تجاه الضاحية يسير بين أحرف الكلام وهو الذي يدرك انه احد عرابي التسوية الرئاسية الى جانب حزب الله كل من موقعه السياسي ولادراكه دور حزب الله وتأثيره في تسريع الولادة الحكومية.

واذا كان ثمة من يقول ان الحريري يقول الشيىء ونقيضه في آن معاً، يرغب بالتعاون السياسي مع حزب الله وينتقد سلاحه وعرض القصير وتدخل حزب الله في الحرب السورية بطريقة مرنة وهادئة، ولكن اليد ممدودة لانجاز التشيكلة الحكومية مع حارة حريك ويتوقع تسهيل حزب الله المهمة، فهو يدرك ان حزب الله يمكن ان يتفهم بعض المواقف ويمررها لكن تبقى اخرى من الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها عندما تمس الكرامات او عندما تتعلق الامور بالثوابت وضرورات الحفاظ على السلم الاهلي، بدون شك فان الحريري احد اللاعبين والمؤثرين الاساسيين في انتخاب ميشال عون رئيساً، فهو ذهب الى السير بمرشح من فريق 8 آذار والى طاولة الحوار بخلاف وجهة نظر عدد من قياداته، الامر الذي جعل اخصامه او فريقاً من داخل المستقبل يقفز فوق رأس الحريري وهذا ما فعله أشرف ريفي عندما حصد بخطاب متطرف لـ14 آذار الاصوات السنية في الانتخابات البلدية في طرابلس، مسقطاً الحريري بالضربة القاضية. فالواضح اليوم كما تقول الاوساط ان الحريري يحاول ان يحمل الطابتين في اليد الواحدة، فهو يريد انجاح عملية التأليف وفي الوقت نفسه يحاول استعادة جماهيره التي خسرها وتعبئتها بالشعارات التي تناسب المرحلة السابقة بعدما فقد زمام الاثارة لدى جمهوره الذي ذهب في انتخابات طرابلس الى الخطاب المتطرف والحماسي ضد المستقبل.

بدون شك فان الحريري مرّ باحباطات كثيرة من الازمة المالية التي عبرت الى الانتخابات البلدية التي اصابت تياره بنكسة، فلم يكن سهلاً ان يربح أشرف ريفي المنازلة او معركة طربلس، وان يخسر معركة ميريام سكاف في زحلة، الا ان المؤتمر العام الذي أفرز وجوهاً مستقبلية جديدة في عضوية مكتبه السياسي، يتحضر لمرحلة مختلفة، حيث ستعمل القيادة المستقبلية الجديدة على انهاء الحالات المستقبلية التي نشأت مؤخرا، وعلى استنهاض الشارع السني الذي سرقته قيادات خرجت من المستقبل بخطاب سياسي متطرف، خصوصاً ان تيار المستقبل الذي تراجع حضوره في السنوات الاخيرة عاد الى بريقه مع عودة سعد الحريري بالتسوية الرئاسية التي سار بها وان المستقبل في صدد تجاوز أزمته المالية في «سعودي أوجيه»، وبالتالي فان تشكيل الحكومة والعودة الى التواصل مع القواعد الشعبية والخدمات من خلال الحكومة ستعيد التيار الأزرق لاعباً اقوى من السابق وقادراً على خوض الانتخابات النيابية بعد اشهر قليلة. باختصار مطلق الحريري اراد من منبر «البيال» من خلال تجديد الدم في القيادة المستقبلية وبعد نجاح التسوية ان يقول «الأمر لي» مجدداً في تيار المستقبل وعلى الساحة السنية وفي الشارع السني.