رسائل طائرة من هناك وهناك كلها تستهدف او تصب في مكان واحد لاصابة ذلك التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات على حد قول مصادر مسيحية تفويضا، فالشراكة الحكومية التي ارساهما تفاهم معراب ووصل الى حد «الشراكة» الكاملة في تأليف الحكومة وتعهد التيار باعطاء القوات حصة وزارية توازي حصته في حكومة العهد الاولى ادى الى فتح النار على التفاهم المسيحي كما ادى الى تأخير التأليف بحجة حصة المردة التي اعطى رئيسها تفويضا كاملاً لرئيس المجلس بالمفاوضة عليها على غرار تفويض حزب الله لبري بالمفاوضات الحكومية مما عقد المشهد الحكومي وأخر الولادة الحكومية وحيث بدأ التلويح مؤخراً بخيار حكومة بمن حضر يتسرب في الكواليس .

وفي حين ان الرسائل من عين التينة الى قصر بعبدا في موضوع الحكومة واضحة وضوح الشمس ، فان الرئيس المكلف بدأ بدوره بارسال الاشارات في شأن تعقيدات الملف الحكومي وكان آخرها من قصر بعبدا بعد زيارة رئيس الجمهورية بوقوفه الى جانب رئيس المجلس «ظالماً كان او مظلوماً « في رسالة مشابهة المضمون لتلك التي قالها رئيس المجلس يوم استشارات التكليف ، برأي المصادر، فالرئيس المكلف تقصد توجيه رسالة واضحة الهدف في رد لموقف مماثل من رئيس المجلس ، فالعلاقة مع رئيس الجمهورية شيء والعلاقة مع رئيس المجلس شيء آخر والتفاهم مع رئيس المجلس وما يريده خط أحمر ولو كان المطلوب انجاز الحكومة بوقت سريع ، والحريري الذي عكف في اليومين الماضيين على ايلاء تيار المستقبل الاولوية بانتظار ان تحين الساعة الحكومية وعلى ان يكون المؤتمر نقطة تحول في المسار السياسي العام فاذا بمقررات المؤتمر الثاني للمستقبل لا تعبر كما تقول المصادر عما يلائم المرحلة المقبلة ويبعث على الاطمئنان في الموضوع السياسي ، فالمؤتمر الثاني بدا موجهاً لاستنهاض الشارع المستقبلي ومحاكاة هواجس الشارع السني وتعبئته واحتضانه في موضوع الموقوفين الاسلاميين ، فيما بقي الموقف نفسه بنسخة معدلة من حزب الله والدعوة الى المقاومة السلمية والاستراتيجية الدفاعية ولم ترد في مقرراته اشارات للانتخابات النيابية او القانون الانتخابي .

وفي مطلق الاحوال فان تسلسل المواقف التي ترافق عملية التأليف تظهر ان «الشراكة» بين الطرفين المسيحيين تزعج الفريق الآخر وان الرسائل توجه الى التضامن المسيحي ، فـ «الشراكة» المسيحية في الحكومة لا تعجب الفريق الآخر بحسب المصادر، وعليه يتم فتح النار وكيل الاتهامات للتفاهم المسيحي والتي لا توفر موقع الرئاسة ايضاَ في سهامها ، وعليه ترد المصادر المسيحية بأن تفاهم معراب كان حاجة ماسة للساحة المسيحية المشرذمة منذ سنوات ، وان اعادة التوازن الى السلطة السياسية سيحصل مهما ارتفعت الابواق او زادت الانتقادات .

وترى اوساط عونية انه لا يمكن لاحد المزايدة على ما انجزه تفاهم معراب كما لا يمكن لاحد تخريب العلاقة مع حارة حريك ، فلا يمكن للتيار الوطني الحر التفريط بالتفاهمات الاستراتيجية مع حزب الله ، فالخيارات الاستراتيجية شيء والتفاهمات الداخلية شيء آخر ، الا ان الجميع يعلم ان التهميش المسيحي بلغ مداه الاقصى في الحقبات السابقة والمسيحيون اصبحوا خارج المعادلة السياسية ، وبان تفاهم معراب انهى تلك الحقبة وطوى صفحة الماضي المأساوي بين المسيحيين فهل المطلوب ان يبقى المسيحيون في حالة تشرذم وضياع او المطلوب ابقاؤهم خارج الحلبة وتقرير مصيرهم على يد الآخرين ؟

فسمير جعجع كما ميشال عون انجزا خطوة لا يمكن القضاء عليها او الغاؤها في التجاذبات الحكومية الحاصلة تؤكد المصادر ، يسجل في الارشيف السياسي لزعيم معراب في السنوات الاخيرة الكثير من الايجابيات والنقاط الرابحة التي جعلته لاعباً اساسياً ومن الاقوياء على الساحة المسيحية اولاً ومن ثم الوطنية بعدما كان سمير جعجع «أسير» جمهور ثورة أرز وما يلزم هذا الفريق في السياسة من مواقف ، ولعل تفاهم معراب هو اهم ما حققته القوات في تاريخها السياسي وعملياً بدأت معراب بقطف ثمار هذا التفاهم في الاستحقاقات، في التشكيلة الحكومية اذا سمحت ظروف المفاوضات وعملية «تناتش» الحصص الوزارية الجارية بين الاقوياء بحصول القوات على حصة وازنة تطلق يدها حكومياً خصوصاً وان القوات لم تشارك في حكومة تمام سلام ، وعليه فان تمثيل القوات في الحكومة اصبح مؤخرا المسألة الاكثر اثارة للتساؤلات حول ما ستحصل عليه القوات وخصوصاً وانها رفعت سقف شروطها التفاوضية وتطالب بحقائب خدماتية واساسية وهذا ما يستفز اخصام القوات والتيار او اخصام التفاهم .

راهن كثيرون على ان عملية التأليف ستتسبب باهتزاز علاقة عون وجعجع الا ان الواقع الفعلي ينفي حصول ذلك وبالعكس والا ما كان تفاهم الثنائية المسيحية يتعرض لمثل هذا الهجوم ، في اعتقاد القوات انها كانت «أم الصبي» في ايصال ميشال عون الى قصر بعبدا اذ كانت اول من قطع الطريق امام وصول سليمان فرنجية وجعلت سعد الحريري يحذو حذوها في الموضوع الرئاسي ويسلك الطريق نفسه ، وهذا ما يجعلها شريكة الى جانب التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية في الحصول على حصة وزانة في التركيبة الحكومية ، عدا ذلك فان التفاهم بين معراب والرابية سوف يمتد ويتوسع الى الانتخابات النيابية، وبالتالي فان معراب لن تصعد او تضع عراقيل في وجه الحكومة خصوصاً وان ثمة من يتربص «شراً» ويضع عراقيل امام هذه الحكومة ، وحيث ان سمير جعجع الذي رفع مطالبه الحكومية في بداية مرحلة التفاوض وفاتح الحريري كما تقول المصادر باستبعاد من لم ينتخب ميشال عون رئيساً عاد الى الايحاء بأنه ملتزم بالعهد الجديد ويعتبر الموقف وفق الاوساط بمثابة «الرد» على المشككين بامكانية ان تخلق الحكومة اشكالية ما بين الرابية ومعراب .

على الارجح فان القوات لن تكون حجر عثرة كما يصورها البعض في الموضوع الحكومي تؤكد المصادر ولن تتهاون مع محاولات جديدة من المتضررين من وهج الثنائية المسيحية وما يمكن ان يحققه تلاقي فريقين مسيحيان تخاصما طويلا وألغيا بعضهما ، لكن هذه الصورة صارت من الماضي فالانتخابات الرئاسية كانت محطة اختبار النوايا والحكومة محطة مفصلية اخرى قبل الانتخابات النيابية.