كثافة الحضور أمس في الإحتفال بالذكرى السابعة والعشرين لاستشهاد الرئيس المرحوم رينيه معوّض، كشفت كم أنّ اللبنانيين متعطّشون الى رجال دولة من هذا الطراز الرفيع، وأنّ وصول رجل دولة مثل العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة، يجعل من الذكرى حقيقة خلاصتها أن رجال الدولة الكبار يمكن أن يصبحوا رؤساء في لبنان!.

رحم اللّه رينيه معوّض. وكل من عرف هذا الشهيد لايزال يتحسّر حتى اليوم، لأنهم باغتياله إغتالوا الحلم بوطن كان مقدّراً له أن ينهض من محنته الكبرى محصّناً برجل الإرادة الصلبة، والديمواقراطية الحقيقية، والوطنية الصافية.

في الحديث عن الشهيد الرئيس معوّض تتدافع المزايا التي كان يكتنزها في شخصيته ومن خلال مسيرته السياسية... ولعلّ أبرزها قاطبة أنه كان رجل الوفاق الوطني من دون منازع. ولعله كان في طليعة قلّة نادرة من السياسيين الذين بقوا على تواصل مع أطياف الوطن كلّها في المحنة (حرب السنتين وما تلاها حتى مصرعه). وتزداد هذه الظاهرة أهمية عندما ندرك أن الشهيد الرئيس رينيه معوّض لم يكن غير منتم أو غير ملتزم. فهو كان ملتزماً الوحدة الوطنية بمعناها الشمولي، وكان ملتزماً الحرص على منطقته وفي مقدّمة المدافعين عنها عندما دق النفير لمواجهة الأخطار. وهو لم يكن يرى أي تناقض بين نظرته الشمولية الى الوطن ونظرته الى ضرورة حماية منطقته. وإذ إنّ احداهما تكمل الثانية.

كان خبيراً في الشأنين المالي والإقتصادي. ومن خلال ترؤسه لجنة المال والموازنة اللبنانية كان يبدو، قولاً وفعلاً، الحريص على المال العام وعلى ترشيد الإنفاق. أصلاً لم يكن الزمن «للهبج والنتش» كما عرفنا في المرحلة التي أعقبت إغتياله، وحتى الأيام الأخيرة، إذا صارت «الشطارة» تتمثل في من «يلطش» (يُفهم: يسرق) من الأموال العامة أكثر من الآخرين.

وثمة نقط مركزية تجيب عن السؤال الآتي: لماذا رينيه معوّض، لماذا إغتالوا الرجل؟!.

ببساطة كليّة لأنه لم يكن تابعاً لأحد، إن في الداخل أو في الخارج. في الداخل كان له حلفاء، وفي الخارج كانت له صداقات...

ولأنه لم يكن يتساهل في السيادة اللبنانية.

ولأنه، كما قال أمس نجله السياسي الشاب ميشال معوض، لم يوافق على أن تضرب الوصاية السورية قصر بعبدا... بالرغم ممّا كان بينه وبين ذاك القصر.

وكما قال ميشال بك أيضاً: لأنه رفض أن يشرك «الوصاية» في عملية تشكيل الحكومة.

وأيضاً لأنه كان ينطلق من حيثية شعبية - وطنية عابرة الطوائف، ولأنه لا يتلقى الأوامر بل يصدرها.

الكلام، مهما طال، يبقى قاصراً عن إيفاء الرئيس الشهيد رينيه معوّض حقه... هذا الرجل صاحب تلك الشخصية الحضارية التي أسهمت في بنائها الرئيسة نايلة معوّض خلال رفقة دربهما... ولا نشك في أن نجله ميشال معوّض سيسير على خطى الوالد الشهيد في مسار وطني حضاري، ديموقراطي، إنساني... ويرتكز الى دعم شعبي ثابت ومتعاظم.