يُفترض أن تجري الانتخابات النيابية، بحسب القانون، بين 20 نيسان و20 حزيران 2017. لا أحد يعرف بين الحاكمين والمحكومين إنْ كانت ستجري فعلاً. ذلك أن لا اتفاق بين أطراف الشبكة السياسية الحاكمة على قانونٍ جديد للانتخابات. بعضها موافق، ظاهراً، على اعتماد نظام التمثيل النسبي النسبية جزئياً أو كلياً. بعضها الآخر يعارض النسبية جهاراً ويريد، ضمناً، الإبقاء على نظام التمثيل الأكثري المعروف باسم قانون الستين. لكن كِلا الفريقين لا يمانع، على ما يبدو، بالتمديد مرةً ثالثة لمجلس النواب إذا تعذّر التوافق على قانون جديد.

يرى مراقبون متابعون للمشهد السياسي الداخلي أنّ أطرافاً نافذين لا يريدون إجراء الانتخابات سواء بموجب القانون الحالي النافذ أو بموجب قانون جديد، لأنه لن يكون في وسعهم المحافظة على عدد متورّم من نواب محازبين يوالونهم، كما هو الوضع حالياً. هؤلاء الأطراف المحافظون لا يتوانون عن إهدار الوقت بلا كلل وعلى نحوٍ يجعل التوافق على قانون جديد للانتخابات، متعذّراً قبل موعد إجرائها المفترض في2016/4/20. وثمة أطراف آخرون متردّدون يتخوّفون من مضاعفات شعبية سلبية لإجراء الانتخابات وفق أحكام قانون الستين الجائر، ومن مضاعفات أقسى وأشمل إذا ما جرى التمديد مرةً ثالثة لمجلس النواب.

كلّ هذه الواقعات والملابسات كانت موضوع مناقشة مستفيضة بين أعضاء إحدى أبرز الهيئات السياسية الشعبية الناشطة من أجل إقرار قانون ديمقراطي للانتخابات على أساس النسبية. وقد تبيّن أثناء المناقشة وجود ثلاثة أفرقاء، وبالتالي ثلاث مقاربات لكيفية العمل من أجل تحقيق هذا الهدف الوطني الاستراتيجي.

الفريق الأول يرى وجوب التحاور والتعامل مع رئيس الجمهورية الجديد العماد ميشال عون والاستفادة من موقعه ونفوذه لتسهيل عملية إقرار القانون المنشود. يقول أعضاء هذا الفريق إنّ العماد عون هو أقوى الرؤساء المتعاقبين شعبيةً، وأوضحهم التزاماً بتعهّداته، وإنه سبق له كما لـِ «تياره الوطني الحر» أن أعلن تأييده لقانون انتخابات على أساس النسبية، وأنه كان حريصاً على إبداء دعمه لقانون يؤمّن عدالة التمثيل واعتباره أولوية ماثلة في خطاب القَسَم فور انتخابه رئيساً، وانه في مواقفه من الأزمات والتحديات والمخاطر التي تواجه البلاد يبدو مصمّماً على انتهاج سياسات راديكالية لتحقيق إنجازات غير عادية من شأنها أن تترك بصمات بارزة له في تاريخ البلاد السياسي.

يضيف هؤلاء أنه من المنطقي والمجدي أن تستفيد قوى التغيير الملتزمة من المزاج الراديكالي للرئيس عون والحرص على تذكيره بعهوده ووعوده وحثّه على اتخاذ مواقف نوعيّة استثنائية في الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد ليس أقلها المبادرة إلى الانحياز لغالبية الشعب اللبناني المطالبة بقانون انتخابات على أساس النسبية، والدعم العلني لتيارات شعبية وقوى سياسية في حال لجوئها إلى الشارع من أجل الضغط على أركان الشبكة الحاكمة، كما على مجلس النواب لاعتماد قانون النسبية في دائرة وطنية واحدة.

يقول هؤلاء إنّ العماد عون ليس رئيس جمهورية فحسب، بل هو قائد وطني أيضاً ذو قاعدة شعبية عريضة، يُدرك انّ عدم إقرار قانون ديمقراطي عادل على أساس النسبية في مدى شهرين سيعقّد الأزمة المزمنة التي تعانيها البلاد ويزيدها حدّةً واشتعالاً. ويختم هؤلاء مستدركين أنه في حال عدم نهوض الرئيس عون الى تحمّل مسؤولياته التاريخية في هذا المجال، فلن يكون ذلك نهاية العالم إذ ستبقى القوى الوطنية والتقدمية الحية ملتزمة وقادرة بكلّ ما تمتلك من إمكانات ووسائل على مواصلة النضال من أجل إخراج البلاد من أزمتها المستفحلة قبل تدهورها الى حضيض اضطربات أهلية مدمّرة.

الفريق الثاني لا يعارض خيار التحاور والتعامل مع الرئيس عون من أجل تسهيل وتسريع إقرار قانون النسبية، لكنه يحذّر من الرهان على خط واحد في هذا المجال ويدعو بقوة، في الوقت نفسه، الى توظيف الجهود والإمكانات بالسرعة الممكنة في بناء كتلة شعبية وازنة تضغط بكلّ الوسائل المتاحة على الشبكة الحاكمة ومجلس النواب من أجل إقرار القانون المنشود، وإلى تطوير العمل الشعبي وتركيزه في المؤتمر الوطني الجاري بناؤه حالياً بتعاونٍ وثيق بين «هيئة التنسيق الوطنية من أجل النسبية» ولقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية الذي يضمّ أحزاباً وتكتلات شعبية وبرلمانية وازنة يشارك بعضها في السلطة ، وجعله جبهةً شعبية عريضة على مستوى البلاد كلها تتولى، بنَفَسٍ طويل، تعميق خط سياسي راديكالي هدفه تجاوز النظام الطائفي الكونفدرالي الفاسد والمباشرة في بناء مشروع الدولة المدنية الديمقراطية.

إلى ذلك، ثمة فريق ثالث يرى الأخذ بمقاربتيْ كلٍّ من الفريقين الأول والثاني معاً بطريقة متزامنة وفاعلة، وذلك بالانتقال من حال التفكير والتنظير الى ورشة التدبير والتنفيذ المبرمج بغية توظيف الأوقات والجهود والإمكانات والفرص في نضال موصول لنقل الجمهورية اليتيمة المتروكة لشبكة حاكمة لها أخلاق ذئب ومعدة حوت من حال الأزمة المزمنة المتمادية الى رحاب دولة مدنية ديمقراطية مبنيّة على أسس المواطنة وحكم القانون والمشاركة والعدالة والتنمية.

دقت ساعة النفير، وآن أوان التغيير.