منذ لحظة إنطلاق عجلة مفاوضات تأليف الحكومة العتيدة، برئاسة سعد الحريري، بدأ الحديث عن عقدة الحقيبة التي سيحصل عليها تيار "المردة"، إنطلاقاً من التوتر الذي طبع العلاقة مع التيار "الوطني الحر"، في نهاية مسار الإنتخابات الرئاسية، التي قادت إلى إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا، مع العلم أن الجانبين كانا حليفين منذ سنوات طويلة، كما أن رئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية كان قد أعلن مباشرة بعد الإنتهاء من الإستحقاق الرئاسي أن خطّه السياسي إنتصر.
في هذا السياق، تستغرب مصادر مطلعة على موقف "المردة"، عبر "النشرة"، تحميل هذا التيار مسؤوليّة التأخير في ولادة الحكومة العتيدة، بالرغم من التسهيلات التي قدّمها من خلال إقتراحه الحصول على واحدة من 3 حقائب، الأشغال العامة والنقل أو الإتصالات أو الطاقة والمياه، بدل الإصرار على حقيبة واحدة دون سواها، كما فعلت بعض القوى السياسية، بينما الذهاب إلى الثقافة هو رسالة أوليّة إلى "المردة" وباقي القوى المسيحيّة وقوى الثامن من آذار.
وتلفت هذه المصادر إلى أن "المردة" في حكومة تصريف الأعمال الحاليّة، برئاسة تمام سلام، كان قد تنازل أولاً عن حقيبة التربية والتعليم العالي لصالح التيار "الوطني الحر"، ومن ثم عاد وتنازل أيضاً عن حقيبة العمل لحزب "الكتائب" لتأمين الإسراع في تشكيلها، لكنها تشدّد على أن حجم "المردة" لا يمكن أن يختزل بحقيبة الثقافة، وتوضح أن هذا التنازل لم يحصل من موقع ضعف.
بالنسبة إلى "المردة"، الحجم السياسي لا يقاس بالحجم النيابي فقط، وتشير المصادر إلى أن النائب فرنجية كان قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وتسأل "هل حجم "حزب الله" في البلد هو حقيبتين فقط"؟، كما تدعو إلى المقارنة بحجم بعض الكتل النيابية الأخرى التي ستحصل على عدد كبير من الحقائب، "القوات اللبنانية" على سبيل المثال لا الحصر، وتضيف: "رئيس "المردة" كان بإمكانه الوصول إلى الرئاسة لو قرّر النزول إلى المجلس النيابي عندما كان يحظى بالأغلبيّة النيابيّة اللازمة، وهو ما كان قد أكّد عليه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله"، وتعتبر أنه إذا كانت كتلة "القوات"، 8 نواب، ستحصل على 3 حقائب ونائب رئيس الحكومة بينها واحدة وازنة وأخرى ثانوية، من الطبيعي أن تحصل كتلة "المردة" على حقيبة وازنة، وترى أنه إذا كان هناك رغبة في "تكريم" الحليف الجديد فهذا لا يجب أن يكون على حساب باقي المسيحيين، وتستغرب كيف أن خيار قوى الثامن آذار ينتصر رئاسياً في حين أن سليمان فرنجية يخسر وسمير جعجع يربح وزارياً.
وتؤكّد المصادر أنه لا يمكن إتهام النائب فرنجية بـ"التلطّي"، خصوصاً أنه عندما إتصل به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند طالباً منه النزول إلى مجلس النواب لإنتخابه رئيساً رفض من دون الإتفاق مع الرئيس عون.
وتردّ المصادر على عدم ذكر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل "المردة" عند الحديث عن "الكبار"، وتشدد على أن ليس هو من يحدّد ذلك، وتعتبر أن التحالفات التي يقوم بها ظرفيّة وليست مبدئية، لا سيّما أنه لم يكن يضع "القوات" في المكان نفسه قبل فترة، كما أنه بالأمس القريب كان يعتبر النائب فرنجية واحداً من الأقطاب المسيحيين الأربعة الكبار ويريد الإستفادة من العلاقات التي لديه على الصعيد السياسي، وتسأل: "هل القول أن حجم النائب فرنجية في وزارة الثقافة هو رد غير مباشر على السيد نصرالله، الذي قال ان رئيس "المردة" يؤتمن على الوطن والمقاومة"؟.
وفي وقت تشدد هذه المصادر على الحديث عن أن القضية متعلّقة بتركيبة عمل سياسي خطرة على الجميع، ترفض الإتهامات بأن النائب فرنجية "يتلطّى" خلف "حزب الله"، وتشير إلى أن ليس هو من كان يتلطّى خلف الحزب لعامين ونصف العام، وتضيف أن "لا أحد قادر على إلغائنا أو عزلنا، في الشارع المسيحي، والمضطهدون من الثنائية الجديدة هم الأغلبيّة، وبينهم من كان يعتبر من أقرب المقرّبين لعون"، وترى أن الوزير باسيل هو من سبق له "التلطّي" خلف الحزب للحصول على وزارة الطاقة، والدخول إلى الحكومة عندما وضع شرط رفض توزير الراسبين بالإنتخابات النيابيّة، وأيضًا خلف "المردة"، في إنتخابات 2005 و2009 النيابية في البترون، بهدف الحصول على أصوات قاعدته الشعبية، في حين لم يرشح "المردة" أحدا عنه.
من ناحية أخرى، تؤكد المصادر نفسها أن المسيحيين في لبنان ليسوا كلهم مع "الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، بل أن الجزء الأكبر هم من المستقلّين وقد أثبتت الإنتخابات البلدية والإختيارية الأخيرة هذا الأمر، وعندما يشعرون بأن هناك من يريد القضاء عليهم سيرتفع صوتهم حكماً.
على هذا الصعيد، تشدد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، على أن القضية لا علاقة لها بالحقيبة التي سيحصل عليها "المردة" في الحكومة المقبلة، وتعتبر أنه بحال وجد "الوطني الحر" أن المشكلة في إنطلاقة عهد الرئيس عون في هذا المكان عليه أن يبادر إلى المعالجة، لا سيما أن لديه مصلحة في ذلك والنائب فرنجية من الخطّ السياسي نفسه، وتجزم بأن الموضوع هو أننا "في بداية حرب إلغاء على النائب فرنجية، بوصفه حالة مسيحية من خارج الثنائية الجديدة، وهذا الأمر ينطبق على جميع القوى والشخصيات المسيحيّة الأخرى".
وتستغرب هذه المصادر أيضاً الحديث عن أزمة مسيحيّة-شيعيّة، وتلفت إلى أن "حزب الله" هو من يقف وراء وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، في حين أن جميع القوى الأخرى جاءت إلى خياره "مجبرة" في نهاية المطاف، وتضيف: "لا مشكلة شيعية مع العهد الجديد كي يكون هناك سعي إلى عرقلة إنطلاقته، لكن هناك من يريد اليوم إستعمال الحق الذي عاد إلى المسحيين بطريقة سلبيّة، تجعل باقي القوى تتعاطى بمنطق سلبي أيضاً"، وتعتبر أن المطلوب وجود سعي لتعزيز الحضور المسيحي في لبنان بالتعاون مع الشركاء في الوطن لا العكس.
في المحصلة، لا يرى تيار "المردة" أن عقدة تأليف الحكومة عنده، لا بل هو يذهب للحديث عن أن المشكلة في مكان آخر يتعلق بالمعادلة السياسية في البلاد، فهل يكون الحلّ قريب؟