قد يبدو أيُّ ارتقاء بحديثٍ انتخابي في هذا الوقت بالذات أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قشّ، لا سيّما أن أيَّ تقدمٍ لم يُحرَز في آلية البحث في قانون انتخابي جديد، فضلًا عن أن تأخُّر تشكيل الحكومة وارتسام معالم العهد الجديد يشكّل شماعة حيوية للمعنيين لربط إرجاء بحث القانون بعملية التأليف، رغم أن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل جدّد حسمَ الموقف إزاء رفض خيارَي التمديد والستين.

تلك المشهدية الرمادية لا تحول دون ارتداء ​مدينة جزين​ وقرى القضاء حلّة التنافس الانتخابي الذي تعتريه تبدّلاتٌ جمة هذا العام: أولًا، التفاهم العوني-القواتي التاريخي والذي يتوقع كثيرون أن يُمعِن في التحكُّم ببورصة الأسماء لا سيّما أن حلمَ معراب بمقعدٍ جزيني قائمٌ منذ زمن، وتحديدًا مذ تحوّل القضاء المسيحي الأكبر في محافظة الجنوب الى معقلٍ للتيار الوطني الحرّ في أعقاب إجهاض “محدلة” الرئيس نبيه بري. وعليه، فإن التفاهم المسيحي-المسيحي الذي من أجله يبدو التيار مستعدًا للتنازل عن حصةٍ حكومية لصالح القوات سينطلي لا محال على دوائر جمّة متى ثُبِّتت التحالفات ومنها جزين. ثانيًا، الآلية التي استحدثها التيار الوطني في انتخاباته الداخلية والتي ترجّح بورصة مرشّح على حساب آخر حتى لو كان لدى الرابية امتعاضٌ من المرشّح المنتصر في مرحلتي التصويت الداخلي والاستفتاء الشعبي. ثالثًا، يرتفع منسوب الحساسية داخل التيار الوطني نفسه لا سيما بعد انتخاب جبران باسيل رئيسًا وما أعقبه من تموضعاتٍ جديدة داخل التيار علنًا أو خفاءً، وهو ما قد تعتبره بعض الوجوه الجديدة الوافدة الى السياسة ورقةً رابحةً لها، فيما ينظر المخضرمون الى هؤلاء الوافدين على أنهم “مجرّد هواة وشباب جايين عالفضاوة”. أيًا يكن مفعول تلك الاعتبارات، يبقى الثابت أن معركة جزين الانتخابية - متى تمّت - قد لا تمرّ على خيرٍ حتى بين أبناء البيت الواحد. فما هي السيناريوهات المتوقعة سلفًا؟

زياد أسود​: لن أخرجَ بحسب مزاج الطامحين

ليس زياد أسود اسمًا طارئًا على الساحة الجزينية بعدما شغل أحد مقعدَيْها المارونيَّين قرابة سبع سنوات ونصف السنة، لا بل أمضى أشهرًا عدة نائبًا وحيدًا للمنطقة بعد رحيل ميشال الحلو وغياب عصام صوايا الدائم عن بلده وبلدته. اليوم تكثر علامات الاستفهام حول اسم أسود وفرضيّة تبني الرابية ترشيحه لولايةٍ جديدة خصوصًا أن الرجل يتسلّح بقاعدةٍ لا يُستهان فيها ولا ينفكّ “يشكّك” في الاستطلاعات التي قد تخلص الى خلاف ذلك، ويرقب من قريبٍ وبعيدٍ من يطعنُ في جدوى ولايته. يؤكد أسود لـ”البلد” أن “الغيرة لا دواء لها عندي، فأنا سياسي ومناضل ولستُ طبيبًا نفسيًا لبعض الأشخاص الذين يعشقون النميمة ورمي الإشاعات وتشويه السمعة ومحاربتي كشخص وليس كأداء ومنهج. لذا نلاحظ أن جميع الذين ينافسون في جزين يتكلمون بسلبية على زياد أسود ولكنهم لا يفعلون شيئًا. ينتقدونني ببساطة لأنني أعرف دوري وأبلور أفكاري في جزين ولأنني قريبٌ من الناس وخطابي واضح وموقفي غير متأرجح وهويتي السياسية مُعلنة، وخضتُ كل المعارك المطلوبة وحيدًا لإيصال الصوت السياسي الحرّ في جزين فيما كان الجميع يتفرّجون عليّ كيف أذبَح أو أهزَم”. ولكنّك بالفتور الذي زرعتَه بينك وبين جبران باسيل منحتهم فرصةً ذهبية؟ يتلقف أسود: “هؤلاء يستغلون كلّ شيء وواظبوا على نقل أخبارٍ كاذبة الى العماد ميشال عون ونقلوا عنّي كلامًا لم أقله، وبلغت النميمة بهم حدّ المجاهرة بأنني لم أفعل شيئًا للمنطقة، ولكنني أمتلك كلّ قصاصات الورق لما أنجزت ولما لم أستطِع إنجازه”. أيًا يكن ما يقولونه، المهم ما يقوله التيار. فهل أنتَ مرشحٌ ماروني مزكّى من تيارك اليوم؟ يجيب أسود: “أنا لا أسأل الرابية ماذا تريد وماذا تقول، أعرف واجبي جيدًا وأعرف كيف يُرسَم خطّ جزين وكيف تُبنى الثقة بين الناس، لذا لا أقف عند أي إشاعة ولا يهزّني أي خبر ولا حتى استطلاع غير موثوق فيه. وفي هذا الإطار أؤكد أنه إذا لم يكن هناك أي تلاعبٍ أو مسايرة أو مبالغة فإن زياد أسود هو الرقم واحد في جزين”. ويردف: “لم أدخل الى جزين نائبًا لأخرج منها بحسب مزاج بعض الطامحين”. وما إذا كان التحالف العوني القواتي سينطلي على انتخابات جزين يختم أسود: “هذا الموضوع سابقٌ لأوانه".

أمل أبو زيد: أتمنى أن أبقى مستأهلًا لهذه الثقة

بكثيرٍ من الحكمة والحنكة والهدوء يقارب النائب أمل أبو زيد المشهدية الانتخابية في جزين. ينأى بنفسه في “صومعته” الجزينية في بلدة مليخ عن زواريب الخلافات الشخصية لا سيما داخل البيت الواحد. هو الوافد الجديد الى البرلمان لا بل الشرعي الأوحد المُنتَخب بنسبة أصواتٍ مرتفعة في الانتخابات الفرعية الأخيرة، يلتزم خيرَ التزام المسار الزمني الذي رسمه التيار الوطني الحرّ لانتخاباته الداخلية والتي تسري المرحلة الثانية منها القائمة على استطلاعات الرأي حتى الخامس عشر من الشهر الجاري. يشدد أبو زيد لـ”البلد” على أن “ليس هناك أمرٌ حتمي حتى الآن ولكن من حيث المبدأ هناك مرشّحان مارونيان هما أمل أبو زيد وزياد أسود تأهّلا في الانتخابات التمهيدية للتيار الوطني الحرّ، وبناءً على الآلية المتّبعة هناك استطلاع للرأي يُجريه التيار ليحدّد على أساسه مرشّحيه المحتملين. ومن ناحية أخرى، الفوضى في الترشيحات قد تكون مؤشرًا صحيًا ولا تجافي الديمقراطية، لكن في نهاية المطاف تبقى الكلمة الفصل للناس إذ إن أي استطلاع للرأي يجب أن يعكس حقيقة التأييد الشعبي لهذا المرشّح أو ذاك على أن تستلهمه الأحزاب”. آخر الاستطلاعات المسرّبة يشير الى أن أمل أبو زيد هو المتصدّر. فما قولُك؟ يعلّق أبو زيد: “بكل صدقٍ وأمانة لستُ على درايةٍ بذلك، فمتى صدُق أكون من الشاكرين لأهل جزين والمنطقة لأنهم منحوني هذه الثقة وأتمنى في حال انتُخِبت مرةً ثانية أن أقوم بواجبي كاملًا وأن أبقى مستأهلًا لهذه الثقة".

روني عون: أنا مرشّحٌ جدّي للتيار في جزين

لا يغرّد أسود وأبو زيد وحيدَين في الساحة الجزينية المارونية، فعيون كثيرين من موارنة المدينة والقضاء على أحد المقعدَين سواء تحت راية الرابية أم معراب أم حتى خارج “رعايتهما”. ليس رجل الأعمال روني عون أوّل تلك الأسماء ولا آخرها، بيد أن تقرُّبه من الرابية يجعله أحد الوجوه المطروحة، وكثيرًا ما يُسوَّق له في بعض الأوساط الجزينية الضيّقة على أنه بديل أسود المرتقب أو بلغةٍ أكثر شعبيةً وشارعية الوجه الكفيل بـ”قبع” أسود من السباق، وذلك بالركون الى الصراع غير الخفي بينهما أو بين مؤيديهما في أحسن الأحوال على وسائل التواصل الاجتماعي. “أنا مرشّح جدّي للتيار الوطني الحرّ في منطقة جزين” يقولها عون بثقة، مؤكدًا أن “لا بدّ من انتظار الترشيح الرسمي الذي سيصدر عن الرابية”. ولكن هل طُرِح الموضوع جديًا مع رئاسة التيار؟ يجيب عون: “أيًا يكن القانون الذي سيُعتمَد أنا مرشّح جدّي عن المقعد الماروني وحكمًا هناك تواصلٌ وتنسيق مباشران مع المعنيين في التيار الوطني الحرّ في ما يتعلق بهذا الترشيح، بيد أن القرار النهائي يبقى في يد التيار الذي سيؤثر تبنّي مرشّح على آخر”. رغم أنه لم يشارك في انتخابات التيار الداخلية، لا يطرد روني عون احتمال تبنّي الرابية ترشيحه جديًا عن أحد المقعدين المارونيَّين، متسلحًا بوفائه للتيار وللعماد ميشال عون. هل ستكون بديًلًا حيويًا للتيار عن زياد أسود مثلًا؟ يتلقف عون: “لستُ بديلًا عن أحد ولستُ أنا من يحدّد هذا الموضوع، بل الجزينيون هم من سيختارون من يرونه مناسبًا ليمثّلهم في البرلمان”. ولكنّك على خلافٍ حاد مع أسود؟ يعلّق: “بحكم شخصيتي وخلفيات عملي وتواصلي الجدّي والصادق والصريح مع جميع أبناء المنطقة وبحكم أنني أطرح نفسي مرشحًا عن أحد المقعدَين المارونيّين المشغولَين بنائبين، أي شخص سيشعر أنه مستهدَف وأن روني طنوس عون منافسٌ جدي، وهذه الجدّية مستمدّة من نوعية عملي وتعاطيّ مع الناس على الأرض وتواصلي الإيجابي مع التيار الوطني الحرّ".

جاد صوايا: اسمي يخرق الاستطلاعات بقوّة

بعيدًا من الصراع الماروني السرمدي المتنقّل من منطقةٍ الى أخرى والذي “تتذكّى” عواملُ اشتداده في معاقل التيار الوطني الحرّ تحديدًا، يبدو رجل الأعمال الشاب الطموح جاد صوايا مرتاحًا لما زرعه من بذور محبّة وخدمةٍ في أوساط الجزينيين، ومنتشيًا بآخر الاستطلاعات الذي يُعبّد طريقه الى المقعد الكاثوليكي اليتيم في قضاء جزين، بعدما أظهر تفوّقه بثلاثة أضعاف عن أقرب منافسيه في التيار وبضعفين عن منافسه القواتي. ورغم أن صوايا لم تسمح له بطاقته الانتخابية غير البالغة من العمر سنتين خلافًا لنشاطه في التيار الذي يتجاوز السنوات الثماني، بيد أنه يتسلّح بكثيرٍ من القناعة بأن الرئاسة البرتقالية ستأخذ في الاعتبار تفوّقه شعبيًا على مرشّحي التيار الناجحين في المرحلة الأولى نقولا الحجار وسليم الخوري. أفلح صوايا ببساطةٍ في سرعةٍ قياسيّة في إدخال اسمه الى البيوتات الجزينية، ولم يوفّر وسيلة دعائيّة لذلك سواء على طول الطرق الممتدة من صيدا الى جزين أم من خلال بيته المفتوح في كفرحونة حيث الجذور العائلية. وفي هذا المضمار، يؤكد صوايا لـ”البلد” أن “التيار الوطني الحرّ هو منهجي والعماد ميشال عون هو دمي، وبما أن عمر بطاقتي لم يخوّلني خوض الانتخابات الداخلية للتيار، لم أرِد مخالفة قوانين التيار الداخلية، وكان استثناءٌ وحيدٌ للياس بو صعب وأمل أبو زيد لأنهما وزير ونائب، لذا قررتُ خوض المرحلة الثالثة مباشرةً. علمًا أن المرحلة الثانية السارية حتى اليوم والراكنة الى استفتاء الجمهور خرقها اسمي بقوّةٍ رغم أنني لم أكن من بين الاسمين المطروحين تبعًا لنتائج المرحلة الأولى، وآخر الاستطلاعات خير دليل على ذلك. ومردُّ ذلك الى أنني واظبتُ على الزرع منذ ستّ سنواتٍ ليحصد أبناء منطقتي المحرومة منذ أكثر من ثلاثين عامًا من كلّ ملامح الإنماء والسياحة”. ولكن هل هناك كلام جدّي حول ترشيحك مع التيار؟ يجيب صوايا: “طبعًا هناك كلامٌ جدّي حول ترشيحي مع بعبدا والرابية ورجلاهما على بيّنةٍ تامّة مما أنجزته وأواصل إنجازه لأبناء القضاء برمّته”. ويختم: “ليس طموحي أسيرَ المنصب السياسي في عينه، بل هذا المنصب هو مجّرد تأشيرةٍ لأكرّس خدمتي لأهلي وناسي في جزين وقضائها".

عشقُ التمايز...

هي أشهرٌ تفصل مدينة جزين وقضائها عن الكلمة الفصل التي سيألو التيار الوطني على نفسه حسمَها في أحد معاقله الوفية ربما بتراضٍ مع حليفه المسيحي الجديد وربّما بغيره. الثابتُ حتى الساعة أن رهجة المرشّحين تتفوّق على تلك التي تحيط بفرضية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها من عدمها. أيًا يكن الجواب جزين تعشق التمايز وها هي تواعدُه مجددًا من بوابة انتخابية جديدة.