منذ ان حسم الامر في حلب عسكرياً لمصلحة ​الجيش السوري​ وحلفائه بغطاء روسي-​ايران​ي، بدأ الكلام عن تخوف من دخول دول على الخط ليصبح بداية التقسيم في سوريا واقعاً ملموساً. وعلى الرغم من ان حلب لم تسقط بالكامل بشكل رسمي، وهي تنتظر بضعة أيام ليأخذ هذا الامر طريقه، الا ان الكلام والواقع الميداني بات محسوماً ولا يمكن توقع اي مفاجآت لتغييره.

وكي لا نكرر الكلام عن الاهمية التي كان الجميع يعلّقها على حلب ودورها في ميزان المواجهة في سوريا، نتوقف عند الحدث المهم الذي شهدته الامم المتحدة منذ ايام قليلة والمتمثل باتخاذ قرار بالاجماع لارسال مراقبين دوليين الى المدينة المذكورة. غالباً ما يعني هذا الامر استناداً الى سوابق عديدة، ان البلد المعني بات على سكّة تدويل قضيته حيث تتدخل دول عدة في تحديد مصيره والسبل الآيلة الى وضع الخطط المتخذة موضع التنفيذ. ولكن ما حصل عملياً هو غير ذلك تماماً، فالمراقبون الذين تم ارسالهم هم محدودو العدد وليسوا مقاتلين، وبالتالي لا خوف من تمدد عملهم او التمديد لهم او حتى لتدخلهم في مجريات الامور والتطورات. لا يمكن لاحد انكار الدور الروسي المؤثر والرئيسي في هذا الشأن، فمن مصلحة ​روسيا​ وجود مراقبين دوليين بالمفهوم الضيّق للكلمة، اي اناس يكتفون بالمراقبة، فهذا يعطيها غطاء انسانياً دولياً يريحها من اتهامات بمنع مدنيين من المغادرة او بارتكاب مجازر او غيره، ولكن الاهم هو ان موسكو استلمت زمام الامور من الالف الى الياء. بهذا المعنى، كان من اللافت متابعة التخطيط الروسي الدقيق للعملية في سوريا منذ تدخلها عسكرياً وحتى الوصول الى هذه النقطة التي انطلق فيها الحديث عن امكان التوصل الى وقف لاطلاق النار في كل انحاء سوريا، مع ما يعنيه ذلك من بداية مفاوضات ومحادثات وفق شروط جديدة وبقواعد لم تكن مطروحة سابقاً.

ومع وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى الحكم، وبفضل العلاقة التي تربطه بروسيا، اصبح التحرك الروسي اكثر راحة من السابق، ولن يسمح الرئيس فلاديمير بوتين بأي حال من الاحوال ان يسرق العالم الورقة السورية من يده، وهو الذي دفع الكثير لتعزيزها واحكام القبضة عليها. وبالتالي، لن يكون الاوروبيون متحمسين لمواجهة مع روسيا حول سوريا، لان مواجهتهم معها بشأن اوكرانيا تكفيهم، ولا نية اضافية لديهم للغرق في مستنقع يجلب اليهم المزيد من القلق والخوف، والاهم انهم غير محميين هذه المرة بغطاء اميركي يساعدهم معنوياً على الاقل للدخول في هذا المجال. وبات من المنصف القول ان الادارة الروسية تدير الاوضاع في سوريا وفق رغبتها، وما تنسيقها مع ايران وتركيا حول هذا الموضوع سوى تأكيد على انها ترغب في اطلاق المسار التفاوضي الذي ينهي الاوضاع في سوريا، وهذه المرة سيكون جدياً دون شك وليس شكلياً، باعتبار ان تفوقها الميداني يجعلها اكثر نفوذاً وقدرة على فرض بعض الامور التي كانت ترغب بها في السابق، انما غير قادرة على تحقيقها عملياً.

لن تكون بعثة المراقبة الدولية في حلب بداية طريق لتدويل الازمة السورية كما كانت عليه الامور مع دول اخرى، ولكنها دون شك ستكون المؤشر الدقيق على منعطف سياسي من شأنه ان يغيّر الصورة في سوريا بشكل جذري ويمهّد الطريق للحل الشامل المنتظر والذي سيصب حتماً في صالح الروسي اولاً، مع مراعاة للايرانيين والاتراك، وحرص على عدم اثارة مخاوف الخليجيين، اضافة الى احتواء ازمة النازحين السوريين بطريقة قد لا ترضي الدول التي احتضنتهم، لكنها لن تشكل عائقاً امام نسج تفاهمات وعلاقات مع دول اجوار من جهة ومع دول اوروبا من جهة ثانية.

باختصار، بدأت روسيا اليوم تحصد ثمار ما زرعته منذ اشهر، وطريق الالف ميل بدأ فعلاً من حلب.