أوحَت المواقف التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أمس أنّ مسيرة العهد ستمضي بيُسرٍ وسلاسة على كلّ المستويات، خصوصاً إذا ظلّ تعاطي الأفرقاء مستمرّاً بالروحية الإيجابية السائدة، بعيداً من أيّ تعقيدات أو كيديات يمكن البعض أن ينزلق إليها.المتابعون لمواقف السيّد نصرالله منذ إعلانه عدمَ الممانعة بتولّي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، يؤكدون أنّ السيّد يكتسح بهذه المواقف وما تتضمّنه من تطمينات في غير اتّجاه، كلَّ العقبات، الحقيقي منها والمصطنع، أو الألغامَ، التي تعترض مسيرةَ العهد، انطلاقاً من اقتناع راسخ لديه بأنّ البلاد آنَ لها ان تخرج من الأزمة بمعزل عن النيران المشتعلة حولها في المنطقة، وهو الذي نادى الجميعَ ولا يزال الى عدم المراهنة على التطورات الإقليمية لتغيير معطيات أو معادلات، والانصراف الى التعاون والتوافق على حلّ الأزمة الداخلية لأنّ تلك التطورات لن تقدّم أو تؤخّر في بلدٍ لا يُحكَم إلّا بالتوافق.

وقد خرج بعض السياسيين الذين استَمعوا إلى خطاب السيّد نصرالله امس بانطباع مفادُه انّ الاوضاع الداخلية ستمضي متدحرجةً من إيجابية الى أُخرى، وأنّ ما كان يُعتبَر مستحيلاً سيصير واقعاً ضمن مسلسل إيجابيات بدأ بالتوافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مروراً بتكليف الحريري ومن ثمّ تأليف الحكومة بسرعة ملفِتة قياساً على المُدَد الزمنية الطويلة التي استغرقها تأليف حكومات سابقة ومنها حكومة الرئيس تمام سلام التي ولِدت بعد 11 شهراً من الانتظار.

وأبرز ما قرأه واستَنتجه هؤلاء السياسيون الذين تابعوا خطاب السيّد نصرالله كان الآتي:

- أولاً، إنّ البيان الوزاري للحكومة سيُقرّ سريعاً، وعلى الارجح اليوم، ولن تكون هناك ايّ عقبات تعترضه، وبالتالي فإنّ مثولَ الحكومة امام مجلس النواب لنيلِ ثقتِه سيكون قريباً، وعلى الأرجح الاسبوع المقبل.

- ثانياً، إنّ الانسجام الحكومي سيكون واقعاً ملموساً طالما إنّ الجميع يتعاطون بإيجابية مع القضايا المطروحة، وهي قضايا كبرى وليست ثانوية، وهذا الانسجام سيمكّن الحكومة من الإنجاز على رغم عمرها القصير الذي قد يتمدّد تقنياً في حال حصَل تمديد تقني لمجلس النواب بغيةَ إنجاز قانون الانتخاب الجديد والترتيبات اللازمة للانتخابات التي ستجري على أساسه.

- ثالثاً، إنّ قانون الانتخاب الجديد سيقَرّ على اساس اعتماد النظام النسبي كلّياً أو جزئياً، ولكن في صيغة تراعي هواجسَ البعض ومخاوفَهم، ويبدو أنّ السيّد نصرالله مرّر في هذا المجال «رسالةً تطمينية» الى المهجوسين والمتخوّفين من النسبية الانتخابية، وعلى رأسهم رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وهذا ما سيتيح توافقَ الجميع على صيغة قانون يتضمّن هذا التطمين لهؤلاء. وطمأنَ نصرالله في هذا المجال الى أنّ «أجواء نقاشات قانون الانتخاب طيّبة وإيجابية ومنفتحة»، وأنّ «الجميع يريدون الوصول إلى نتيجة».

ـ رابعاً، يُنتظر أن يكون هناك تمديدٌ تقنيّ لمجلس النواب الحالي، لأنّ القانون الجديد قد يَفرض هذا التمديد الذي سيكون لبضعةِ أشهر فقط، فالنقاش للتوصّل الى هذه الصيغة الانتخابية التطمينية، قد يتطلّب بعض الوقت الإضافي قبل موعد الانتخابات المقررة في أيار المقبل. والبعض يتوقع ان يكون القانون العتيد جامعاً بين النظامين النسبي والأكثري.

ولذلك، أيّدَ نصرالله انطلاقَ حوار شامل بين كلّ القوى السياسية، للجَمع «بين الصيغة والقانون الانتخابي الأمثل والأحسن والأفضل» والأخذ بـ«الهواجس ونقاط القلق» للوصول الى قانون الانتخاب العتيد «لكن بالتأكيد ليس على قاعدة العودة إلى قانون الستّين». ما يعني أن لا عودة مقبولة، أقلّه لدى حزب الله وحلفائه، إلى هذا القانون.

وفي إيحاء غير مباشر الى انّ إقرار قانون الانتخاب لن يواجه عقبات كثيرة، نبَّه نصرالله الحكومة الى أن تعيرَ قضايا الناس، وما اكثرَها، الاهتمامَ اللازم، وإلى عدم التصرّف على اساس انّ عمرها قصير، وأنّها لن تكون قادرة على إنجاز أيّ شيء في هذه العجالة. فالبلد يحتاج الى تعاونِ الجميع وإلى عملٍ دؤوب، خصوصاً أنّ مديونيتَه باتت تبلغ مئة مليار دولار.

ـ خامساً، رفضَ السيّد نصرالله تسميةَ البعض الحكومةَ بأنّها «حكومة حزب الله» مثلما سمّى البعض حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وسَخر من هذه التسمية، موجّهاً إلى القائلين «أنّ حزب الله يريد السيطرةَ على البلد»، قائلاً «إنّ هذه «الاتهامات باطلة، يتلطّى خلفها بعضُ القاصرين والمقصّرين والعاجزين»، وقاسماً «يمينا معظماً» بأنّ «الحزب» ليس لديه خيارٌ إلّا خيار لبنان الشراكة الوطنية، وقائلاً: «إنّ هذا البلد خيارُه وقدَرُه ومصلحته أن يشارك الجميع».

ـ سادساً، على رالغم من الإنجاز الكبير الذي حقّقه النظام السوري وحلفاؤه باستعادة حلب، وفي انتظار الانتخابات النيابية، دعا السيّد نصرالله الى الإبقاء على الحذر على المستوى الأمني في لبنان، «لأنّ الجماعات الإرهابية غاضبة من هزيمتها ومن فشلِها»، وكذلك الحذَر على المستوى السياسي، «حتى لا يكون هناك أحدٌ ما في البلد لا زال يفكّر في أنّه يعيش على النزاعات والحروب وعلى النزاعات الداخلية».

أحدُ السياسيين رأى أنّ السيّد نصرالله قال كلَّ ما عنده في سبيل تسهيلِ مسيرة العهد والحكومة، وألقى الحجّة على الجميع، وبات عليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم لتحصين البلاد ومعالجة أزماتها، وعدمِ التذرّع بأيّ حجّة لتبرير أيّ فشل أو تقصير.