هل بدأ لبنان يدخل مرحلة سياسية مستقرة نسبياً توازي الاستقرار الامني الذي يتميز به عن محيطه؟ وهل يمكن ان يتوج هذا التطور الايجابي بإقرار قانون جديد للانتخاب؟

منذ انتخاب رئيس الجمهورية تشهد البلاد حراكاً جديا لاعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية على قاعدة التوافق الوطني الذي جسدته الحكومة الجديدة بغض النظر عن بعض الملاحظات والبارز ان الوزراء والموفدين العرب والاجانب، الذين سارعوا الى زيارة لبنان في اشارة واضحة الى دعم مسيرة العهد الجديد بكل اطرافه ومكوناته، حرصوا على وصف الوضع السياسي اليوم بأنه اكثر استقرارا من المرحلة السابقة.

ويتناغم هذا التوصيف مع المواقف التي صدرت عن اركان الدولة والقيادات السياسية حيث اعرب الرؤساء الثلاثة عن تفاؤلهم بالانتقال، الى مرحلة جديدة يمكن ان تساعد في معالجة والتصدي للعديد من الازمات والملفات المطروحة.

ولفت في هذا المجال ما قاله الرئيس بري في بحر الاسبوع امام النواب بأن الاجواء السياسية باتت مؤاتية اكثر للعمل والانتاج، مشيراً في الوقت نفسه الى حراك جدي لانجاز قانون انتخابي جديد. لكنه ابدى حذره في الوقت نفسه من نيات ومواقف بعض الاطراف تجاه التعاطي مع هذا القانون.

وجاء كلام الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ليعزز هذا التفاؤل لا سيما بقوله «ان بلدنا يتجه الى الاستقرار السياسي كما الاستقرار الامني، ولكن يجب ان نكون على حذر مما قد تقوم به الجماعات الارهابية نتيجة الخسائر التي تلحق بها».

ومما لا شك فيه ان هناك اشارات ومعطيات عديدة تؤكد دخول البلاد مرحلة سياسية جديدة بعد اكتمال حلقة المؤسسات الدستورية، الامر الذي يعزز الاعتقاد بأن مطلع العام الجديد سيشهد انطلاقة ايجابية نحو ورشة من العمل تتركز على انجاز واقرار الموازنة للعام 2017 بعد سنوات وسنوات من غيابها، وعلى السعي لإقرار قانون جديد للانتخابات على انقاض القانون الحالي، وتحسين الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

ويقول مصدر سياسي ان انجاز الحكومة لبيانها الوزاري في زمن قياسي يدل على الرغبة في الافادة من كل يوم من عمرها لا سيما في ضوء تراكم الملفات بسبب التعطيل الذي ساد في المرحلة السابقة.

ويلفت الى التناغم الذي سجل بين الرؤساء الثلاثة حيث التقط الرئيسان عون والحريري مبادرة الرئيس بري واستعداده لعقد جلسة الثقة قبل نهاية العام، ودفعا باتجاه اقرار البيان الوزاري ليكون بين ايدي النواب قبل 48 ساعة من موعد الجلسة المذكورة.

وقد استنفرت ادارة المجلس النيابي امس لهذه الغاية واتخذت كل ما يلزم من اجل انعقاد الجلسة يوم الثلاثاء المقبل. ويشار في هذا المجال الى ان المناخ السياسي وطبيعة التشكيلة الحكومية تؤكد انها ستنال ثقة شبه جامعة من المجلس النيابي باستثناء كتلة حزب الكتائب وقلة من النواب لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة.

ويشير المصدر الى ان البيان الوزاري تميز بصياغة دقيقة تعتمد على تدوير الزوايا لا سيما في الفقرة المتعلقة بالمقاومة وبقانون الانتخاب. ويلاحظ ايضا انه جاء مترجما لباقي بنود السلة التي طرحها الرئيس بري.

وقد افردت الحكومة في بيانها فقرات تتعلق ببنود السلة المذكورة وهي: قانون الانتخاب الجديد، قانون اللامركزية الادارية، الدعم الاستثنائي للجيش والقوى الامنية.

وفي رأي المصدر ان الامتحان الابرز للحكومة وللمجلس في آن معاً هو قانون الانتخاب الذي استؤنف التفاوض حوله وسط تباينات غير مشجعة، لا سيما ان بعض الاطراف لا يزال يبدي تحفظات عن النسبية الكاملة، ويناور عبر اعتماد النظام المختلط بمعايير واحدة.

وفي قراءة للمواقف المعلنة والمضمرة من القانون يمكن تسجيل ما يأتي:

- يشدد الثنائي الشيعي حركة امل وحزب الله على اعتماد النسبية الكاملة كبديل للنظام الانتخابي الاكثري الحالي. وفي اطار ملاقاة الاطراف الاخرى اعرب الرئيس بري عن استعداده لمناقشة اقتراح قانون المختلط لكتلته والذي ينص على انتخاب 64 نائبا على اساس النسبية و64 نائباً على اساس النسبية و64 على اساس الاكثري مع اعتماد معيار واحد لا يتوافر في الاقتراح الآخر المقدم من المستقبل والقوات والحزب التقدمي.

كما ابدى استعداده لمناقشة الاقتراح الذي اتفق حوله سابقا مع التيار الوطني الحر الذي يعتمد التأهيل على اساس القضاء والاكثري، والانتخاب عى اساس النسبية والمحافظة.

وينظر الرئيس بري بحذر وريبة الى المواقف التي صدرت مؤخرا وكان اخرها موقف رئيس التيار الوزير جبران باسيل، مبديا خشيته من هذه الطروحات التي تصب بشكل او بآخر في الابقاء على قانون الستين.

- اما تيار المستقبل فلسانه مع النظام المختلط وقلبه مع الستين، على حدّ قول احد النواب المكلفين متابعة ملف قانون الانتخاب.

ويميل المستقبل الى اعتماد الصيغة التي وضعها بالتنسيق مع «القوات» والحزب التقدمي اي 68 على الاكثري و60 على النسبي، والذي ينص عى استثناءات في المعايير ولا يعتمد معيارا واحداً وشاملاً.

- وتبدي «القوات اللبنانية» موقفاً مشابها للمستقبل، لكنها تتميز عنه بالتمسك الواضح بالاقتراح الثلاثي المشترك الذي يوفر لها زيادة حصتها بنسبة جيدة في الندوة النيابية المقبلة.

- وينفرد «الكتائب» في المطالبة باعتماد النظام الفردي (صوت واحد لنائب واحد) رافضاً الصيغ الاخرى التي تعتبرها مفصلة على قياس الاطراف السياسية التي تطرحها.

ويلفت موقف التيار الوطني الحر الذي طرأت عليه تغييرات عديدة بدءا من المطالبة باعتماد القانون الارثوذكسي، مرورا باعتماد النسبية على اساس 15 دائرة ثم بالتأهيل على اساس القضاء الذي كان موضع اتفاق بينه وبين الرئيس بري، وانتهاء بالصيغة التي طرحها الوزير باسيل بانقاص عدد النواب من 128 الى 108 واعتماد التصويت لجزء من اللائحة.

وبالاضافة الى وصف هذه الصيغة بأنها معقدة وغير قابلة للتطبيق، فإن طرحها يأتي من باب تصعيب مهمة التوافق على قانون جديد واعادة النقاش الى الوراء بدلا من الدفع باتجاه التفاوض من النقطة التي انتهى اليها باسيل في اجتماعاته السابقة مع الرئيس بري.

وتؤكد خريطة المواقف من قانون الانتخاب ان مهمة انجازه مهمة صعبة ومعقدة ما يبعث على المخاوف من ان يطول النقاش كما حصل سابقا، وينتهي الى الابقاء على الستين.