من منا لا يميّز رأس السنة عن غيره من المناسبات؟! ومن منا لا ينتظره لتنظيم المشاريع الترفيهية الفنية والاجتماعات العائلية؟! فمما لا شك فيه أن العديد من اللبنانيين يبحثون عما يمكن ان يسعدهم هذه الليلة بنشاط ترفيهي يترك لهم بصمة خلال مسار عامهم الجديد، فالخيارات كثيرة، منها حضور حفلات الفنانين في المطاعم والفنادق والحانات أو انشاء برنامج منزلي وسط العائلة والأقارب، وغيرها... يبقى الوضع الاقتصادي للفرد نفسه هو المتحكّم بقراره الحاسم أولاً وأخيراً، في ظل أسعار بطاقات لا تناسب الكثير من ذوي الدخل المحدود.

بعد كل حملات الامتعاض والاستنكار والشكاوى التي أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، التي عبّرت عن الطبقيّة التي يتعاطى بها المتعهدون وأصحاب المطاعم والفنادق في تنظيم حفلاتهم، أجرت "النشرة" إتصالاتها بأقسام حجز التذاكر للإطلاع أكثر على ما يستنكره المواطن من أسعار خياليّة لا تناسب اوضاع كل شرائح المجتمع، وكانت الأسعار كالتالي:

فندق فينيسيا: وائل كفوري برفقة نجوى كرم وملحم زين، سعر البطاقة يبدأ من 450$ ويصل الى 1200$.

مسرح بلاتييا: عاصي الحلاني، وائل كفوري وغي مانوكيان يبدأ سعر البطاقة من 200$ ويصل إلى 650$.

فندق هيلتون حبتور: عاصي الحلاني مع ملحم زين وميشال فاضل، سعر البطاقة يبدأ من 250$ ويصل الى 650$.

البيال: راغب علامة وفرقة بليونير الايطالية، وتبدأ الاسعار من 300$ وحتى 770$.

مطعم المندلون: برنامج موسيقي متنوع والضيف فيه نادر الاتات، سعر البطاقة 400$ ويصل الى 1000$.

فندق الموفمبيك يحيي حفلته أيمن زبيب وناصيف زيتون، والاسعار تتراوح بين الـ200$ والـ500$.

فندق أطلال بلازا: برنامج فني لصابر الرباعي وسعد رمضان، وسعر البطاقة بين الـ250$ والـ400$.

ويجدر الذكر أن موظفة حجز التذاكر في احدى الفنادق التي تعرض 3 أسعار للبطاقة، شددت لـ"النشرة" على أنه "كلما انخفض سعر البطاقة كلما جلس صاحبها في مكان خلفي وعلى أطراف المسرح، حيث يصعب الرؤية والتركيز في اجواء الحفلة، أما السعر الأعلى والأغلى هو الذي يمكّن رواد الحفلة من الاقتراب من الفنان والفرقة الموسيقية، وبالتالي عدم الشعور بالغبن".

يشكو راني، وهو أحد المعجبين بالفنانة نجوى كرم، من "طمع القيمين على هذه الحفلات، فإذا أردت أن أحضر حفلة معشوقتي نجوى كرم عليّ أن أبيع هاتفي"، متسائلاً "من منا نحن الشباب يتقاضى راتباً يوازي سعر البطاقة او أكثر؟، هذا وضع البلد، معظمنا يتقاضى الحد الادنى للاجور أو أكثر بقليل، فعلى أي أساس يتم وضع هكذا أسعار، وهي لمن أصلاً؟ بالطبع للخليجيين".

أما حسن، وهو أب لـ4 أولاد، يفضل السهر في المنزل وسط العائلة، يعتبر أن "ما يميّز سهرة رأس السنة هو اجتماع العائلة وتعزيز صلة الرحم والقرابة، إضافة الى مشاهدة البرامج التلفزيونية المنوعة"، موضحاً أن "الوضع الاقتصادي لمعظم العائلات اللبنانية لا يسمح لها بالذهاب خارجا ليلة رأس السنة ان كان الى حفلة يحييها فنان، أم الى مطعم لتناول العشاء، فكل الاسعار في هذه الليلة تكون مضاعفة مرة أو مرتين".

ويضيف: "لست مضطراً الى أن أحضر الحفلات بهذه الاسعار الخيالية المعلن عنها، وحتى لو فكرت ان أحضرها لوحدي ليس بمقدوري كمواطن لبناني دفع ثمن بطاقة واحدة، فما بالي اذا فكرت اصطحاب العائلة معي، علينا اقتراض الاموال وبيع أثاث المنزل إذاً".

"من لا يستطيع دفع ثمن البطاقة فليجلس في منزله"، يقول متعهد الحفلات ميشال حايك في حديث مع "النشرة" ويتابع أننا "وضعنا أسعاراً مرتفعة بسبب أهمية المطاعم والفنادق الذي ننظم فيها الحفلات، والاسعار تكمن بحسب درجة كل مكان وفئة كل فنان"، مبرراً بأن "الفنان عادة ما يتقاضى ليلة رأس السنة ضعف ما يتقاضاه في الأيام العادية والمناسبات الاخرى، إضافة الى تكاليف الحفلة من موظفي خدمات ومهندسي صوت واضاءة وأمن واعلانات وتسويق".

ويتابع حايك: نريد أن نرتقي ببلدنا لبنان فنياً واقتصادياً، فلا يجوز من المواطن ان يهاجم كل ما لا يعجبه ويعترض عليه على مواقع التواصل الاجتماعي، فكل ما يقوم إزاء هذا الموضوع يساهم في تشويه صورة لبنان"، لافتاً الى اننا "نشعر بتفاؤل كبير جراء الحجوزات التي أتتنا من الخليج العربي، فهذا يثبت أنّ لبنان لا يموت".

ويشير الى أنه "على كل مواطن لا يسمح له وضعه دفع ثمن البطاقة، أن يجلس في منزله ليلة رأس السنة وانتظار المهرجانات التي تقام خارج توقيت هذه المناسبة، فمن المؤكد أنه سيجد السعر المناسب له ولوضعه الاقتصادي".

هذا وعلمت "النشرة" من مصادر مطلعة أن "قيمة أغلى بطاقة لحفلات نجوم الصف الأول التي تقام خارج لبنان ليلة رأس السنة توازي قيمة أرخص بطاقة في حفلات المطاعم والفنادق اللبنانية".

الى ذلك، يرى رئيس جمعية المستهلك زهير برو عبر "النشرة" أن "ليلة رأس السنة هي بمثابة موسم وفرصة لرجال الأعمال ليستفيدوا منها من خلال جني الاموال الطائلة في الحفلات، وهذا ليس ممنوعا بالقانون، وعلى المستهلك ان يقبل او يرفض بمجاراة هذه العروض والحفلات، كل بحسب وعيه وادراكه لمدى استفادته أو الغبن الذي يمكن أن يتعرض له"، مشيراً الى أن "هذا النوع من الحفلات يتم تضخيمه للاستفادة منه مادياً ومعنوياً، هو تضخم لكن بلا محتوى أو فائدة للمواطن، ولا يبرر الاسعار الخيالية الموضوعة، كما أنها أسعار نادراً ما نراها في الحفلات التي تقام خارج لبنان".

ويضيف برو أن "بعض اللبنانيين، من ذوي القدرات الاقتصادية المتواضعة، تحب التباهي بهكذا حفلات رغم الكلفة الباهظة، وهي تحرم نفسها واولادها من الاحتياجات الحياتية الاساسية كي تحضرها، وكل هذا من أجل حب المظهر والتباهي برقم السعر وإسم الفنان"، مؤكداً انه "على المستهلك الواعي ادراك محتوى الحفلة وتقدير قيمتها بحسب وضعه، كي لا يقع في فخ الغبن".

"هناك دور كبير لوزارة الثقافة والجمعيات والبلديات بهذا الاطار، فيمكنهم في هكذا مناسبات تنظيم حفلات وبرامج فنية بالتعاون مع فنانين، تتناسب ووضع المواطن اللبناني المعيشي وكل طبقات المجتمع دون استثناء"، يلفت برو، ويدعو الى ضرورة "أن تقيم الدولة ووزارة الثقافة والجمعيات والبلديات نشاطات توعوية لحث المتعهدين على وضع أسعار مقبولة للجميع وتستفيد منها كل الجهات، الشعب والمتعهد وأصحاب المطاعم والفنادق".

اذاً، هل على المواطن الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور أن يعمل ثلاثة أشهر متتالية كي يجمع ثمن بطاقة سهر واحدة، أم أنه مضطر الى اقتراض المال او بيع أثاث المنزل أو المقتنيات الخاصة اذا أحب اصطحاب العائلة؟، واذا كان المتعهدون وأصحاب الفنادق والمطاعم لا عتب عليهم لأن هدفهم الأول والأخير جني الأرباح، لكن أين إنسانية "الفنان المرهف الأحاسيس" الذي يفترض ان يقدّر تفاوت طبقات جمهوره الاجتماعية والاقتصادية والعمل وفق ما يراعي أوضاعهم جميعاً؟، ألا يحق للفقير أن يحضر الحفلة مباشرة؟ أم أن هذه المناسبات أمست للأثرياء فقط؟ .. أسئلة برسم "النجوم"، والمعنيين ..