مقتطف:

كشفت اول جلسة لمجلس الوزراء ان المحاصصة هي الحكم ودائما بشعارات بلااقة عن التوافق، الفساد كي ينجح ويترسخ يحتاج الى توافق وعدل بين اطرافه. ملف النفط مثال صارخ، وقانون الانتخاب مشروع قيد الاعداد ودائما بالتوافق، والتعيينات الادارية، فيما يجري كل ذلك ينظر اللبنانيون الى بعبدا ويسأل كل واحد منهم نفسه ما الذي تغير؟

"بيضة القبان" بدأ تقاذفها على طاولة النفط وبلوكاته

لم يكن اعتراض وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي داخل مجلس الوزراء، مؤشر خير في اول اجتماع لمجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الثقة، فهذا الاعتراض على مراسيم التحضير لتلزيم بلوكات النفط، جاء نتيجة منطق المحاصصة الذي حكم اقرار المراسيم، واظهر للكثيرين ان عملية التقاسم تمت بتوافق لكن هذه المرة امتد التوافق على تهميش جنبلاط، بعدما خرجت الثنائية الشيعية راضية كما الثنائية المسيحية وصولا الى تيار المستقبل الذي نجح ايضا في تعيين موظفين مديراً عاماً للإستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، وهو المنصب الذي كان في عهدة المهندس عبد المنعم يوسف ومديرا لهيئة اوجيرو التي كان يتولاها يوسف ايضا. علما ان هذه التعيينات تمت من خارج الآلية المعتمدة لاجراء التعيينات في المواقع الادارية من قبل مجلس الوزراء.

بين النفط والتعيينات، تبرز ملامح ادارة السلطة في المرحلة المقبلة، ذلك ان لبنان الذي يعاني تراجعا في الموارد الاقتصادية والمالية، وتراجعا في الحركة الاقتصادية، وتضييقا متزايدا على النشاط المالي والاقتصادي بسبب العقوبات المالية الاميركية، والتي ساهمت الى حدّ كبير في تراجع مقلق لعمل المصارف اللبنانية ونشاطها، كل ذلك زاد في تراجع مؤشرات النمو، فيما يفاقم الأزمة انهماك العديد من الدول العربية والخليجية باوضاعها الداخلية، ما يجعل من احتمال اندفاع هذه الدول لمساعدة لبنان امرا مستبعدا كما كان عليه الحال في السابق.

المقلق في ظل الاصطفاف المذهبي والطائفي الذي يترسخ في لبنان بشكل غير مسبوق، انه يتيح المجال للقوى المسيطرة على الطوائف ان تمعن في تنظيم عملية المحاصصة فيما بينها، لاسيما ان التوافق في مجلس الوزراء هو في حفظ حقوق الجميع داخل مجلس الوزراء، باعتبار ان الممثَلين في مجلس الوزراء لديهم وكالات حصرية من طوائفهم لا باعتبارهم وزراء مسؤولين امام مجلس النواب، والحقوق هي حقوق طوائف وليست حقوق مواطنين متساوين امام القانون.

ثمة شهية عالية على ما يبدو لاقتناص ما يمكن اقتناصه، الجميع يحاول التعويض من المال العام، فتراجع سبل الدعم الخارجي للقوى الحزبية والسياسية لأسباب تتعلق بالخارج ولا ترتبط بمناعة داخلية، جعل من الشهية على ادارة توزيع ما تبقى من الثروات العامة بين هذه القوى هدفا اساسيا لن يوقفه ايّ شيء، وهذه الذهنية هي التي تتحكم اليوم في مقاربة قانون الانتخاب، فالجميع يسعى الى توفير حصة مناسبة باسم الطائفة او المذهب في اطار عقلية تقاسم المغانم، بعدما فقد مجلس النواب دوره السياسي، تحديدا بعدما فقدت ايّ اكثرية في مجلس النواب معناها، بحيث ان المنطق الذي تبناه الجميع، هو ان الحكومات لا تشكلها الاكثرية العادية بل يجب ان تكون صورة مطابقة لمجلس النواب.

ولأن الانقسام السياسي صار قائما على محميات طائفية ومذهبية تحت مظلة حزب الله، فقد الزعيم وليد جنبلاط دوره الذي كان "بيضة القبان" وصار على وقع تبلور المحميات المذهبية والطائفية الكبرى في حكم البلد او تقاسمه بالتوافق، عنصرا غير مؤثر في معادلة السلطة، والكتلة الوسطية التي كان يمثلها في وقت سابق لم تعد نافعة في معادلة الحكم الجديدة. لذا كان من اليسير على صقور مجلس الوزراء ان يهمشوا جنبلاط هذه المرة كما لم يحصل من قبل.

في المقبل من الايام هذا هو الخيار المطروح امام اللبنانيين، سلطة مفتوحة شهيتها لتعزيز مواقع اطرافها، وميل واضح لانتخابات نيابية تضمن اعادة انتاج السلطة نفسها بالنظام النسبي او المختلط او الاكثري، والى ذلك ثمة توافق على انجاز صفقة تعيينات يتم التحضير لها لاقرارها على دفعات في الاسابيع المقبلة، فيما تسرب من اكثر من مصدر حكومي ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يعد متحمسا للبقاء في منصبه، وهو ما يفتح الباب امام تعيين جديد في منصب الحاكم في نيسان المقبل. علما ان بقاء سلامة او تعيين بديل منه، لن يغير في واقع الازمة الضاغطة على المالية العامة، فيما مشروع سلسلة الرتب والرواتب بات اكثر من ملح وفي الوقت نفسه سيطرح اقراره استحقاق الموارد لتأمين التغطية، وهو ما لا يبدو محل اهتمام جدي من قبل اركان الحكومة.

الصدمة الايجابية المطلوبة من العهد لم تحصل بعد، الذي يتسرب الى اذهان اللبنانيين ان السلطة في لبنان لم تعد اكثر من فرصة لأركانها لتحصيل اكبر قدر ممكن من المكاسب الحزبية والشخصية ودائما باسم الطائفة، هذا ما قالته اولى جلسات مجلس الوزراء وهذا ما يعمل عليه معدوا قانون الانتخاب الجديد، بتوزيع متقن للادوار يصادر كل الاراء في سبيل اسقاط قانون انتخاب لن يغير شيئاً.