يبدو أن ساعة العمل التي وعد بها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في اعقاب تأليف حكومة «إعادة الثقة» قد حانت، وأنه يستعد للانطلاق بورشة تشريعية واسعة النطاق من شأنها أن تشكّل رافعة تساعد الحكومة في عملها من دون إسقاط سيف الرقابة عليها، حيث ان الجلسات العامة التي ستتفق هيئة مكتب المجلس على برنامج انعقادها ستتخلها جلسة مساءلة للحكومة كل شهر تقريباً، وهذا الأمر سيعيد الحيوية إلى المجلس بعد غياب قسري فرضته الصراعات السياسية على قرابة الثلاث سنوات هي المدة التي استوطن فيها الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا، وعصف فيها الانشطار السياسي في داخل الحكومة مما أدى الى شلل تام في عمل المجلس النيابي على المستوى التشريعي.

وفي محاولة منه للإسراع في انطلاق ورشة التشريع يرأس الرئيس برّي عند الثانية من بعد ظهر غد الخميس جلسة لهيئة مكتب المجلس للتفاهم على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ينوي الدعوة إليها قبل نهاية هذا الشهر لمناقشة وإقرار بعض المشاريع واقتراحات القوانين التي في معظمها تتعلق بالشأن المالي، وقد عكف الرئيس برّي في غضون الـ48 ساعة الماضية على درس القوانين الجاهزة لعرضها على هيئة المكتب وإقرار جدول أعمال هذه الجلسة، والتي ستواكبها جلسات متتالية لمختلف اللجان لدرس وإقرار ما أحيل وسيحال اليها من مشاريع قوانين والتي سيكون في مقدمها مشروع قانون الموازنة العامة الذي ستحيله الحكومة إلى البرلمان بعد إعداده وإقراره في مجلس الوزراء.

هذه الأجواء المفعمة بالتشريع تعكس مناخات مفادها بأن التفاهم الذي أدى الى انتخاب الرئيس ومن ثم تأليف الحكومة وجعل الجلسة الأولى لمجلس الوزراء منتجة لناحية إخراج بعض الملفات من دائرة التجاذب وأبرزها ملف النفط، وتعيين بديل عن رئيس هيئة «أوجيرو» عبدالمنعم يوسف، ما زال ساري المفعول، وهو سيترجم بصورة واضحة مع قابل الأيام في العديد من المحطات إن في مجلس النواب أو مجلس الوزراء، حيث ان هناك رغبة من القوى السياسية بتجاوز الماضي والتعويض عن السنوات العجاف التي أدت إلى شل كل مفاصل الدولة وأوحت وكأن لبنان بات قريباً من حافة الانهيار.

في تقدير مصادر سياسية متابعة أن الخلافات الحاصلة حول قانون الانتخاب لن تنال من شهر العسل الموجود حالياً بين الرئاسات من دون أن يعني ذلك بأن الموقف سيكون موحداً من كل شيء، لكن يبدو أن النصائح الدولية بضرورة الحفاظ على الاستقرار العام قد فعلت فعلها في المقرات السياسية التي تجاوبت مع هذه النصائح بعد أن أيقنت بأن التطورات الموجودة في المنطقة هي الموجودة كبند أوّل ورئيسي على الأجندتين الإقليمية والدولية، وأن الصراعات اللبنانية الداخلية لا وجود لها في أي سطر من أسطر هذه الأجندات، وهذا ما حتم على المعنيين العمل على تدوير زوايا صراعاتهم والانصراف إلى ترميم ما يمكن ترميمه في البيت الداخلي لكي تبقى ابوابه في منأى عن العواصف العاتية التي تضرب في اكثر من مكان في المنطقة.

وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن تمحور عمل الحكومة حول موضوعين أساسيين، أي الموازنة العامة وقانون الانتخاب، من دون فتح أي من الملفات الخلافية، سيساعد بالتأكيد على عدم دخول الحكومة في حقل الألغام الذي وقعت فيه الحكومة السابقة حيث حال ذلك دون أن تكون لها القدرة على الإنتاج، لا بل كبّلها وجعلها لوقت طويل على شاكلة حكومة تصريف أعمال.

انطلاقاً مما تقدّم فإنه لا يوجد أي مبرر لتلكؤ الحكومة في تنفيذ ما جاءت لأجله، سيما وأن وزير المالية علي حسن خليل يشهد له بالسرعة القياسية التي يُعد فيها الموازنة، وهو سبق أن أعد موازنتين في الحكومة السابقة، غير أن الحكومة ولأسباب غير مبررة لم تقر أياً منهما، وهو ما حال دون أن تكون للبنان موازنة، وهو المستمر على هذا المنوال منذ العام 2005.

هذا على مستوى الموازنة، أما على مستوى قانون الانتخاب، فالكل يعرف بأن هذا الموضوع ليس سهلاً في ظل الانتظار السياسي الموجود حيث يسعى كل فريق لتفصيل القانون الذي يأتي على قياسه، إلا أن ذلك لا يعفي الحكومة من السعي لتقريب المسافات وإنتاج قانون يراعي بعض الهواجس لكنه يجب أن يقفز فوق المصالح، وإلا يفضل البقاء على القانون الحالي مع إجراء بعض التعديلات عليه للحد من الخسائر وللحؤول دون إظهار لبنان بأنه عاجز عن إنجاز استحقاقاته في مواعيدها الدستورية، سيما وأن القانون الحالي لم يعد قادراً على مواجهة الرياح التي تهب اعتراضاً عليه من كل حدب وصوب.