في خطوة لافتة، طرحت اكثر من تساؤل في توقيتها وما اذا كان الهدف منها تكوين صورة بالارقام واضحة اجتماعيا أم يتجاوزه الى السياسي في ظل ما يجري في المنطقة، أطلقت لجنة ​الحوار اللبناني الفلسطيني​ مشروع "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان" بالشراكة مع ادارة الاحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.

اطلاق مشروع التعداد السكاني، تفاديا لكلمة "احصاء" كي لا تثار ضجة ومخاوف، أُقرّ في حكومة ​تمام سلام​ ودعمه رئيس الحكومة الحالي ​سعد الحريري​ بينما قام بتمويله كل من اليابان ومنظمة "اليونيسف"، بالاضافة الى سويسرا وبرنامج الامم المتحدة الانمائي وسيقوم به نحو 600 شاب وفتاة ممّن يمتلكون الخبرات اللازمة من اللبنانيين والفلسطينيين وبإدارة إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وتحت إشراف لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وستشمل عدد السكان، ظروف السكن وعدد الطوابق وملكية وتاريخ البناء ومشكلاته وتوافر شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وكيفية التخلص من النفايات، وكذلك خصائص الأسر والأفراد والقوى العاملة، وحال البطالة وتوزعها وأسبابها والنشاط الاقتصادي الممارس والمستوى التعليمي والمؤهلات المهنية والجامعية، والصعوبات التي يعانيها ذوو الحاجات الخاصة ونوعية الإعاقة وتأثيراتها والفرص المتاحة أمامهم للطبابة والاستشفاء والتأهيل والتدريب، اضافة الى الحراك السكاني من خلال التوسع العشوائي وحالات الانتقال والنزوح الداخلي أو الهجرة والعناصر الدافعة لكليهما.

وقد اكتسب أهمية خاصة كونه اطلق من السراي الحكومي في بيروت برعاية الحريري وحضور عدد من الوزراء والنواب والسفراء وممثلي المنظمات الدولية وقادة الفصائل الفلسطينية، وممثلون عن المجتمع المدني الفلسطيني وشخصيات، وفي ظل تضارب الارقام الخاصة باللاجئين يضاف اليهم اعداد النازحين من سوريا، واللافت فيه عدم اشراك وكالة "الاونروا" كما تجري العادة والتي تقوم دوريا كل عام باصدار احصائيّة خاصة باللاجئين، دون ان تشمل الجميع، اي عدم المشمولين في خدماتها، ومن بينها تجمعات كاملة مثل "اوزو" و"البركسات" في عين الحلوة و"الشبريحا والقاسمية" في منطقة صور وسواهما، وهؤلاء اعدادهم لا بأس بهم، فيما هذا الإحصاء سيشمل الجميع دون إستثناء.

المنظور اللبناني

في المنظور اللبناني، ثمة موقف حاسم بان هذا الاحصاء هدفه اجتماعي حياتي صرف لوضع "الاصبع على الجرح" الفلسطيني وصولا للبحث في سبل معالجته، مع بداية العهد الجديد في لبنان الذي جاء نتيجة توافق بين اللبنانيين، والذي يوفر اجواء من التفاؤل لطرح جملة من القضايا المتعلقة بالوضع الفلسطيني، الذي يعاني من مطبات كثيرة ابرزها الامنية في عين الحلوة وما يثيره من مخاوف لدى الحكومة اللبنانية، من تكرار الاقتتال وانتقال ظاهرة التطرف الى باقي المخيمات، ناهيك عن المخاوف الجديّة من احتمال تسلل عناصر من "داعش" الى الساحة اللبنانية خاصة المخيّمات الفلسطينية فيها بعد الضربات التي تتعرض لها في العراق وسوريا، وهذه المخاوف تعني الجانبين اللبناني والفلسطيني معا مما يتطلب معالجة سريعة وجدية، فالتحذير لا يكفي، بل يجب العمل فلسطينياً ولبنانياً لتدارك هذا الخطر ووجود احصاء دقيق يشكل مدخلا لكيفية التعامل مع الواقع.

اربعة اهداف

وفق المنظور اللبناني نفسه، فان هذا التعداد يحقق اربعة اهداف:

1-أنه يعبر عن إخراج قضية عدد اللاجئين الفلسطينيين من خانة التخمين والتقدير الى جداول الأعداد والوقائع الفعلية، وهو أمر يُدخل لبنان والوجود الفلسطيني على أرضه لغة المعطيات والارقام الثابتة، بديلاً عن أساليب الاستعمال لأغراض سياسية شتى والتلاعب بالرقم كيفياً صعوداً ونزولا.

2-يقدم هذا الإحصاء للبنانيين كما الفلسطينيين الفرصة الثمينة للاطلاع على الأوضاع من النواحي كافة، بدءا من عدد السكان مرورا بالمساكن وأوضاعها ومستويات وظروف العيش وصولاً الى العمل والتعليم والكفاءات والصحة والفرص المتاحة للتنمية وإمكاناتها.

3-إن هذا المشروع هو امتداد للسياسات الحكومية التي كرستها التوافقات اللبنانية، وأقرت فيها تحسين أوضاع الفلسطينيين الاجتماعية والمعيشية وتيسير سبل العيش أمامهم، لمساعدتهم على البقاء والصمود ريثما يتحقق حلمهم في العودة.

4-إن الآليات المعتمدة لجهة التنفيذ والإشراف تعبّر عن تلك الروحية التي يعتمدها لبنان منذ أكثر من عقد ونصف العقد في الحوار مع الفلسطينين حول المشكلات المتراكمة، مقرونة بعرض واقع القدرات التي تملكها الدولة اللبنانية.

وقد عبر رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الدكتور حسن منيمنة، عن ذلك، انه "منذ أكثر من عامين ولجنة الحوار تسعى إلى ايجاد مدخل لهذا الملف الفلسطيني ووضعه على سكة الحلول الممكنة، هناك تراكم قضايا معيشية وانسانية ملحة"، و"إن مناخ التفاهم اللبناني الذي أعاد تحريك عجلة المؤسسات يشكل بيئة مؤاتية لإعادة البحث بعقلانية بين اللبنانيين أولاً وبينهم وبين الفلسطينيين ثانياً في ضوء المنحى الخطير الذي وصل إليه الوضع الفلسطيني في لبنان خاصة مع تغلغل الجماعات المتطرفة في بعض المخيمات مستغلة الفقر والتهميش وغياب الدولة عن المخيمات"، مؤكدا ان "هذا التعداد وهو الأول من نوعه سيوفر للدولة اللبنانية ومؤسساتها بيانات إحصائية رسمية وشاملة حول المخيمات والتجمعات التي يقطنها ​اللاجئون الفلسطينيون​ في لبنان ما يساعد على تطوير السياسات العامة مستقبلا" .

المنظور الفلسطيني

وفي الرؤية الفلسطينية، فان الفصائل الوطنية الاسلامية اعتبرت مشروع التعداد خطوة مهمة لمصلحة اللاجئين وإن تم التعامل بجدية مع نتائجه من حيث العمل على معالجة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، اي عدم حصر التعامل مع الواقع الفلسطيني بشقه الامني، وانما معالجة قضية الحقوق المدنية والانسانية، استمرارية اللقاءات اللبنانية الفلسطينية والانتقال بها الى مرحلة الشراكة الفعلية في الخطط والاستراتيجيات، مع اهمية المشاركة في متابعة الهواجس والمخاوف الامنيّة في المخيمات لتكون المعالجة مجدية.

غير انها حذرت من أمرين، الاول استغلال هذا الاحصاء لجهة تحديد الارقام الحقيقية بحيث تقوم وكالة الاونروا بتقليص خدماتها تحت ذريعته، والثاني استغلاله من قبل بعض الاطراف الدولية لفرض التوطين على اعتبار ان الاعداد الموجودة ستكون حتما أقل بكثير من المسجلة على قيود الدولة اللبنانية ووكالة الاونروا سابقا.