يليق بالمرحلة رغم عنصر الجِدّة التي اخترقها واستوطنها وصفٌ يستحيل معه البحث في قانون “الانتخاب” الى بحثٍ عن سبل وقف “الانتحاب” والبكاء على أطلال “ستين” غابر لن يرتضي به القصر الرئاسي أيًا كان الثمن، كما والابتسام على رابية قوانين مختلطة ما إن يولد أحدها حتى تُجهضه المختارة قبيل بلوغ يومه الأول.

أشبه بنوارس الكوستابرافا تتهاوى قوانين الانتخاب المطروحة ببندقية جنبلاطية انضمّت اليها بندقيّة “مستقبلية” للتصويب على كلّ القوانين التي تتجرأ على احتضان كلمة “نسبيّة” أيًا تكن صيغة الركون اليها أو عدد النواب الذي سيُنتخَب على أساسها، وآخرها صيغة الـ75 نائبًا “أكثريًا” و53 “نسبيًا” والتي حملت اسم “صيغة باسيل”.

اللجنة “المخلّصة”!

قد لا تبوء كلّ محاولات إنعاش اللجنة الرباعية بالفشل بعدما تظهّرت على أنها “المخلِّص” والسبيل الوحيد الى تلاقي معظم الكتل وإنتاج قانونٍ يرضى عنه الجميع ويباركه أولًا ممثلو هذه الكتل المعترضة والمتضرّرة قبل أن ينقلوه الى قياداتهم. حتى الساعة، لا تشي أيُّ صيغةٍ بتقدّمها على القانون الساري، أو بتعبير أدقّ على الفراغ الذي سيرتضيه رئيس الجمهورية بديلًا عن “الستين” الممحوّ من حسابات القصر بلا رجعة. ورغم محاولة تسويق كثيرين لعودة “القانون النافذ” بيد أن الأمر غير وارد البتّة في حسابات رجل العهد الجديد وهو ما أبلغه الى الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري صراحةً، ولا ينفكّ يكرّره أمام زواره ومهاتفيه.

عتاد التصعيد

أمام هذا الستاتيكو الانتخابي، يتكتّل مسيحيو الثنائية في خندقٍ واحد ويتموضعون في زاويةٍ واحدة ويتسلّحون بعتادِ التصعيد متى لزم الأمر وسقطت آخر محاولات اللجنة الرباعية الإنقاذية، على أن يكون التصعيد المرتقب مبنيًا على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي يا ربّ” مع قناعةٍ مسبقة بأن ما سيطالبون به وهو النسبية الكاملة ساقطٌ في معظم الحسابات خصوصًا أن المعترضين عليه يفوقون المسوّقين له بأشواط. أما الكتائبيون فلم يحسموا موقفهم بعد كالعادة رغم الانفتاح الكبير الذي أبداه العونيون والقواتيون تجاههم، بيد أنهم يبقون حتى الساعة “إجر بالبور وإجر بالتنور”. ورغم سلسلة القوانين التي تطفو على السطح بين ليلةٍ وضحاها من قانون مروان شربل الى قانون نجيب ميقاتي، تبقى النسبية الكاملة مطلب التيار وحزب الله ورئيس الجمهورية وحتى حركة أمل في كواليسها الضيقة والتحالفيّة، وهو ما ينظر اليه كثيرون على أنه مجرّد رفع سقف لنيل ما أمكن من المكتسبات على هذا الصعيد وضمان عدم عودة الستين الى الواجهة. رفع سقف يصطدم بنظيرٍ في المختارة قد تبدّدهما مفاجاةٌ يُهمَس بأنها ستكون وليدة القصر الجمهوري الذي يعايش رئيسُه أرق المواعيد الدستورية ويحرص على إجراء الانتخابات في موعدها. مفاجأة بدت وكأنها الخرطوشة الأخيرة قبل الفراغ، الى أن خرج عون نفسه وأكد أنه سيلجأ الى الاستفتاء في حال أقفلت كل الآفاق في وجهه.

حلقة مفرغة

حتى الساعة يدور الجميع في حلقة مفرغة، الأشخاص أنفسهم لا يريدون على ما يبدو قانون انتخاب جديدًا أو بالأحرى لا يريدون الانتخابات برمّتها. تجربة العامين 2014 و2015 تتكرّر من خلال إلهاء الناس بصيغٍ من قبل الأطراف أنفسهم ولكن هؤلاء يغفلون ثلاثة عناصر اليوم لم تكن موجودة من قبل: أولًا رئيس الجمهورية الذي يضغط في اتجاه إنتاج قانون جديد والذي لن يهدأ او يستريح قبل إجراء الانتخابات في موعدها وعلى أساس قانونٍ غير الستين. ثانيًا، التفاهم المسيحي الذي من شأنه أن يشكّل نقطةً فارقة في دفع الأمور في اتجاهٍ إصلاحي تصحيحيٍّ على مستوى الغبن اللاحق بالحصّة المسيحيّة وبالقانون الجائر. ثالثًا، الرأي العام الذي لن يقبل بتمديدٍ ثالثٍ والمستعدّ لثورةٍ كرمى قانون يسمح له بانتخاب من يراه مستحقًا، والذي لن يرتضي هذه المرة بإهدار حقٍّ من حقوقه البديهية. هذه الثلاثية الذهبية من شأنها أن تفرض قانونًا جديدًا إلا إذا أراد المعطّلون قودَ البلد الى المجهول. علمًا أن الرئيس سعد الحريري الذي يُصوَّر فريقه اليوم على أنه معطِّل للصيغ مع جنبلاط قدّم على طاولة مجلس الوزراء ضماناتٍ بإجراء الانتخابات وعلى أساس قانون جديد، أما الرئيس عون فيقول جهارًا: لا تختبروني، ومن كان شريكًا في الفراغ الرئاسي طوال سنتين ونصف السنة للوصول الى النتيجة المنصفة المرجوّة لن يعصى عليه فراغٌ نيابي في سبيل إنتاج مجلس عادلٍ للجميع على أساس قانون عادل، وهو ما قد يكلّف حلّ مجلس النواب في انتظار الفرج. خيارٌ يقتل الرئيس بري الذي سيكون مضطرًا الى إبداء بعض الليونة خشية إنهاء حكاية مجلسه، على أن تتضح الصورة قبل نهاية هذا الشهر لمنح وزارة الداخلية وقتًا كافيًا لإتمام التفاصيل اللوجستية.

أهون عليه...

إذًا بدأ الرئيس يقتنع أكثر فأكثر بفكرة الفراغ على ما يبدو ما لم يقتنع الآخرون بفكرة إنتاج قانون جديدٍ إيفاءٍ بوعدٍ قطعه على اللبنانيين في بداية عهده. لن يمرّر سيّدُ القصر قانون الستين، ولن يقف متفرّجًا أمام محاولات إضعاف مطلع عهده بوضع شروط مسبقة وشروط مضادة. أهون عليه أن يقتل مجلس النواب بسكين الفراغ على أن يقتل الحلم في نفوس مواطنين ملّوا الوعود الواهية والتمديدات غير المُسوّغة وينتظرون من العهد الجديد... جديدًا!