فقد المواطن اللبناني ثقته بقدرة الدولة على تأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة، واعتاد على وعود كثيرة ممّن يحدّدون "مواعيد" الحصول على تغذية كهربائية دائمة دون أن تتحقق. بالمقابل يرى اللبناني نجاح تجربة زحلة الكهربائية وكيفية الوصول الى تغذية دائمة عبر شركة خاصة، ما يجعل من حقه التساؤل عن سبب عدم قدرة الدولة على "قيادة" هذا القطاع الى الازدهار؟!.

في الساعات الماضية طالب رئيس حزب القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ بخصخصة ​قطاع الكهرباء​ الذي يحتاج في ​الموازنة​ الجديدة الى مبلغ مليار ونصف المليار دولار أميركي لدعمه، ومن ثم اوضح جعجع الذي أكد موافقة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ على مطلبه، أن مطالبته تتعلق بتطبيق القانون 288 الذي يسمح للدولة فورا بإعطاء التراخيص الى القطاع الخاص، الذي يستطيع البدء بإنتاج الكهرباء خلال سنة، او اكثر بقليل. إن كلام جعجع أعاد طرح ملف "خصخصة" الكهرباء على طاولة البحث، ولكن ليست ​الخصخصة​ هي الحل السليم في دولة "سليمة"، إنما في لبنان تعاني الدولة ومؤسساتها من الضعف مما ينعكس سلبا على الخدمات التي يحصل عليها المواطن. ان هذا الضعف لم يأت من فراغ فقد يكون صحيحا أن بعض المسؤولين أضعفوا المؤسسات عن سابق تصور وتصميم لاجل "الخصخصة" ولكن اللبناني يريد "أكل العنب" الذي يدفع ثمنه. فهل تكون الخصخصة هي الحل لأزمة الكهرباء؟.

السياسيون والحل

كانت فترة ربع قرن كفيلة بأن تسمح للسياسيين بمعرفة السبب الحقيقي لتعثر قطاع الكهرباء، فالمشكلة سياسيّة بامتياز، يقول الخبير الاقتصادي ​غازي وزنة​. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "في العام 2002 أصدر البنك الدولي تقريرا اعترض فيه على خصخصة الكهرباء، فالقطاع ليس بحاجة الى الخصخصة لكي ينتظم إنما الى قرار سياسي"، مشيرا الى أن 13 وزيرا تعاقبوا على وزارة الطاقة، وكلّ واحد منهم كان يضع الخطط والدراسات ولكن دون تنفيذ بسبب التدخلات السياسيّة. ويقول وزنة: "لنأخذ مثالا الخطة الموضوعة عام 2010 والتي تحدثت عن زيادة انتاج الطاقة الكهربائية عبر طريقتين، الاولى تنص على اعادة تأهيل معملي الذوق والجية، والثانية تنص على انشاء معامل جديدة، ولكنها لم تسلك طريقها الى التنفيذ بسبب الخلافات السياسية"، مشيرا الى أن الهيئة الناظمة للقطاع لم تتألف بسبب السياسة، وأزمة المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان سببها السياسة، وعدم القدرة على تغيير مجلس الإدارة سببه سياسي، وبالتالي فإن كل ما له علاقة بالكهرباء يرتبط بالسياسة وليس بقرار تقني أو مالي.

ويرى وزنة ان حل أزمة الكهرباء لا يكون بالخصخصة بل يكون أولا بالتوافق السياسي، وثانيا عبر "الشراكة" بين القطاعين العام والخاص، لأننا في لبنان بحاجة الى اقتصاد نوعا ما يكون تحت السيطرة والمراقبة وهذا لا يحصل سوى بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

الحلم القديم؟

بالمقابل تنظر مصادر مطلعة الى "مطلب" الخصخصة من جهتين، فمن جهة اولى يطالب البعض فيها ولو من تحت الطاولة لأهداف ماليّة معروفة، ولا يخفى على أحد كيف "امتهن" مسؤولون سياسة إضعاف المؤسسات بهدف خصخصتها منذ ما يزيد عن عشرين عاما، وبالتالي فإن مشروع خصخصة الكهرباء والاتصالات والمياه ليس جديدا، ومن جهة ثانية يتّجه البعض الاخر للخصخصة لأهداف سياسيّة لها علاقة باللامركزية الخدماتيّة التي توصل الى لامركزية كاملة على كافة الصعد مع ما يعني ذلك من تقسيم للمناطق. وتضيف المصادر لـ"النشرة": "إن مطالبة جعجع بالخصخصة تضرب خطة وزير الخارجية جبران باسيل الكهربائيّة، وتؤدي الى زيادة التكاليف على عاتق المواطن لأن "الشركة" التي ستشغل القطاع والتي لن تكون بعيدة عن ملكيّة "النافذين" ستُحمِّل المستهلك كلفة الإنتاج دون أي دعم حكومي، اضافة الى الربح.

تخطّت خسائر قطاع الكهرباء في لبنان 25 مليار دولار أميركي خلال ربع قرن، وبات من المعيب على الدولة أن تستمر على نفس النهج القائم حاليا، ولكن الحل لا يكون بكفّ يد الدولة وتقديم "القطاع" على طبق من فضة للشركات الخاصة، بل يكمن في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وخلق الجو السياسي الملائم ووقف الهدر والسرقة.