حين يمتعض وزراء القوات ويعترض وزير المردة الذي كاد أن ينسحب من الجلسة، ويعارض وزير القومي على آلية التعيينات، فهل هذه بداية اعتراضية داخل مجلس الوزراء على نهج الصوت الواحد أو الصوتين؟

بصرف النظر عن الأسماء، التي لا يمكن تقييمها إلا بعد أداء المسؤولية لا قبله، فإنَّ ما شهدته جلسة مجلس الوزراء، التي سُميِّت جلسة التعيينات بامتياز، أثبتت أنَّ قرارات مجلس الوزراء لا تقيم وزناً، لا لوزراء القوات اللبنانية ولا لوزير المردة ولا لوزيري النائب وليد جنبلاط ولا للوزير القومي، بل إنَّ الطبخة تحصل على نطاق ضيّق خارج مجلس الوزراء لتوضَع داخله.

المشهد المُعبِّر هو التالي:

وزراء القوات والمردة والإشتراكي والقومي لم يكونوا راضين، فيما أحد التعيينات استغرق خلوة لدقائق معدودة بين الوزير جبران باسيل ووزير الصناعة، وأفضت خلوة الدقائق إلى التوافق على تعيين العميد أسعد الطفيلي رئيساً للمجلس الأعلى للجمارك. آلية الخلوة هذه، لم تكن متاحة لا لوزراء القوات ولا لوزير المردة ولا لوزيري الإشتراكي ولا لوزير القومي، فهل دخلت الحكومة في التناقضات باكراً؟

***

ولكن على رغم هذه الإعتراضات، فإنَّ التعيينات من شأنها أن تُشكِّل جرعة انطلاقةٍ قوية للمسارات الإدارية للدولة، باعتبار أنَّ المسارات العسكرية والأمنية كانت تعمل بمسارات جيدة، فالعماد جان قهوجي نجح في تخطي المؤسسة العسكرية مسالك محفوفة بالألغام، واللواء عباس ابراهيم مستمرٌ في مراكمة الإنجازات والنجاحات، ولعلَّ أبرزها وأحدثها كشف شبكات تحويل الأموال من لبنان إلى داعش في سوريا، ومن شأن هذه الخطوة قطع الأوكسيجين عن أحد مسارات الإرهاب. واللواء عماد عثمان يتسلَّم مؤسسة قوى الأمن الداخلي وهو إبن البيت فيها.

لكن هل هذا يكفي؟

التحدي الأكبر هو:

كيف ستتمُّ عملية استئصال الفساد في بعض المواقع التي تمَّ التغيير في رأس الهرم فيها؟

***

بعض المعيَّنين الجدد أمامهم كميات هائلة من الملفات التي يجب معالجتها، إلى درجةٍ يمكن معها القول إنَّ ورشة ستبدأ من أجل استئصال الهدر والفساد، خصوصاً أنَّ هذه الورشة تتزامن مع مسار إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وهذا المسار يترافق مع سؤال وجيه:

كيف بالإمكان تأمين التمويل للسلسلة؟

الجواب واضحٌ وبصوت واحد:

أموال الهدر والفساد تُموِّل السلسلة لا بل ألف سلسلة:

المطار، المرفأ، التهريب، التلزيمات، المناقصات، المزايدات، الدوائر العقارية، المرامل والمقالع والكسارات، البلديات، الخليوي، التوظيفات العشوائية، الإنتفاخ الإداري لجهة أعداد الموظفين.

فتِّشوا في المواقع الآنفة الذِكر فتموِّلوا السلسلة من دون كلفة إضافية على المواطن أو على خزينة الدولة.