تتكشف تدريجياً مرحلة انتقال المواجهة وطريقة إدارة الضغوط السياسية والأمنية المباشرة من مرحلة الانطلاق من خلفيات داعمة لخلفيات وأدوار مباشرة عند الجهات اللاعبة في مسرح ما قبل «المفاوضات» بين طرفَيْ النزاع في سورية عبر نوعية وأساليب الضغط المدفوعة الأجر «سلفاً» وتشرح الـ48 ساعة الماضية من يوم 4 نيسان الحالي تاريخ استخدام الكيميائي في خان شيخون استثنائية الظروف التي تعيشها دول الصراع وأن الوقوف أمام «أزمة» من هذا النوع ليست عبثية بالنسبة للدول الكبرى بعدما كشفت عن ملف متقَن ومحكَم التصويب يتّخذ من روسيا محطة متورّطة ومسيئة للمعايير الإنسانية والحقوقية أولاً بأول، خصوصاً أن الجهة التي أخذت على عاتقها إحكام ملف «الكيميائي» تدرك سلفاً أن هذا لن يضيف بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد محاذير جديدة أو يعلن عن موقف جديد منه، فهو يعرف موقف الدول الغربية سلفاً منه، ومسألة تصنيفه في خانة ممارسة الإرهاب والقتل على شعبه بمنظارهم بات تحصيلاً حاصلاً لم يعره اهتماماً في أول الازمة، فلمَ يتأثر فيه بعد استرجاع الأجزاء الأهم من أرض بلاده؟

فصول الضغط على روسيا تكشفها المواقف التي تتوالى منذ لحظة الإعلان عن الحادثة الكيميائية في ادلب، لكن تكشفها ايضاً المواقف الروسية والحركة التي تتجه نحوها. ومن بين هذه الخطوات قيام الرئيس الروسي باتصال هاتفي مع رئيس وزراء «إسرائيل» بن يمين نتنياهو بعد أن كان الأخير قد زار موسكو أكثر من مرة في السنتين الماضيتين مع زيارة لرئيس الكيان رؤوفين ريفلين.

الاتصال هذا ليس اللافت بل مضمونه وانتقاؤه في هذا التوقيت بالذات. لماذا يناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام الكيميائي مع بن يمين نتنياهو؟ ما هي علاقة «إسرائيل» بهذا الأمر؟ أم أن بوتين يلتمس دوراً ما خفياً للقيادة «الإسرائيلية»؟ هل لـ«إسرائيل» علاقة باستخدام الكيميائي؟ هل كان هذا انتقاماً من روسيا التي لم تقدم الدعم لها في ما يخصّ حزب الله في سورية؟ إذا كانت هذه كلها أسئلة منطقية، فلماذا يعلن الكرملين عن إجراء المكالمة وعن البحث عن مناقشة الملف الدقيق تحديداً مع نتنياهو؟

يبدو أن روسيا أرادت اللعب على المكشوف بمثل ما تلعب «إسرائيل» وأرادت الإعلان عن إجراء اتصال بنتنياهو، وكأنها تقول ندرك جيداً أن هناك يداً او دعماً «إسرائيليا» في ما جرى وأنها لا يمكنها أن تحصر المسألة بمصادفة التفجيرات في بطرسبورغ والضغط في مجلس الأمن عليها بمسألة الكيميائي، إذا لم يكن المجتمع الدولي يتآمر عليها.

تدرك روسيا أن الأوان قد آن لفتح المشهد على مصراعيه، طالما ان كل الاطراف ارادت التحدي المباشر، وعلى هذا الاساس يعلن الكرملين أمس، ان «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بن يمين نتنياهو، حادث استخدام السلاح الكيميائي في إدلب السورية»، وأن بوتين أكد لنتنياهو أن اتهام دمشق بذلك غير مقبول قبل إتمام التحقيق.

لا تغيب الإشارات والرسائل عن الرئيس الروسي «النبيه» أمنياً ومسألة زج الصحافة «الإسرائيلية» لتقرير أمني تتضح بصمات الاستخبارات «الإسرائيلية» عليه وفيه أن المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن «الإسرائيلية»، تؤكد بنسبة عالية التقارير التي وردت من محافظة إدلب شمال غرب سورية حول الهجوم الذي صودق عليه من مستويات سياسية عالية جدًا في النظام السوري، حسب الصحيفة، لكن لا يمكن التحديد بوضوح ما إذا كان حلفاء الأسد، أي «روسيا» أو إيران، شركاء في القرار وكأن الصحيفة تحاول إعطاء هامش لروسيا بمكان «ما».

وبكل الأحوال يعرف الروسي أن صحيفة هارتس مقربة جداً من نتنياهو. وهي تدخل على خط الأزمة هذه بقرار مباشر منه. وإذا كانت اللعبة قد كشفت الى هذا الحد، واذا كانت «إسرائيل» ترغب بـ«فركة اذن» لروسيا وتريد الكشف عن نموذج مما يمكنها فعله كردّ لإزعاج روسيا التي تتدخل بالخطوط الحمراء بالنسبة لـ«إسرائيل» فان الرئيس بوتين يرغب بالإعلان غير المباشر أنه يعرف الدور «الإسرائيلي» وأنه بإعلانه عن الاتصال يتهم تل أبيب بشكل مباشر بأنه جاهز للتحدي ولوضع النقاط على الحروف من دون أقنعة.

بوتين ونتنياهو وخلال الاتصال الهاتفي بينهما، حسب ما أعلن الكرملين بتبادل الآراء حول حادث استخدام السلاح الكيميائي في محافظة إدلب السورية يوم 4 نيسان الحالي، وأن «الرئيس الروسي رفض بشكل مطلق توجيه اتهامات لا أساس لها إلى أحد أي – سورية او التلميح لدعم روسي، كما يتقصّد المجتمع الدولي – قبل إجراء تحقيق دولي دقيق وموضوعي».

تدهور بليغ في العلاقة الروسية «الإسرائيلية» وكباش ملحوظ وتصعيد «إسرائيلي» مدعوم أميركياً أعاد الازمة للمربع الاول. ويبدو ان الدعم الروسي الكبير للرد على الغارة «الإسرائيلية» في نواحي تدمر الاسبوعين الماضيين قد اصاب مقتلاً بالنسبة لـ«إسرائيل» التي تلقت جدية غير مسبوقة في دعم روسيا لحركة حزب الله في سورية ودوره مع رفض التعرّض له او لقوافله بضمانات منها باعتباره شريكاً، كما قال سيرغي لافروف.

رسالة روسية قاسية كلّفتها الكثير. فـ»إسرائيل» ترفض وضعها في خانة الطرف «المكبّل» أمنياً. وهو الامر الذي لا يمكنها التعايش معه وقد بات عليها إجراء مطالعة جديدة بعد الحضور الروسي للمنطقة ونسف الأحادية الاميركية فيها.

بوتين ونتنياهو اللعب على المكشوف في سورية.