يتحسّب الفلسطينيون في غزة من أي تصعيد «إسرائيلي» يؤدي لعملية عسكرية أو حرب بمعناها الواضح والمباشر وتدهور دراماتيكي للأحداث تضع حداً للاستنزاف المعيش وهم باتوا يعيشون حالة من القلق حسب شهادات من داخل غزة، لـ«البناء» تتحدث عن حالة عامة من الترقب لحدث ما يتم تحضيره من قبل سلطات الاحتلال تماشياً مع سياسات التجويع والتضييق ويرجّحون ان تكون «إسرائيل» تهدف الى التمادي في تطويقهم معيشياً من أجل أفراد مساحة من الخلاف بين الفلسطينيين والقوى المقاومة في غزة للانقلاب عليها في ما بعد. وهذا الأمر بدأ يطرق أبواب حياتهم اليومية والمعيشية، فلا كهرباء ولا سبل حياة طبيعية وضائقة اقتصادية خانقة، إضافة إلى إبلاغ السلطة الفلسطينية بشكل رسمي، مكتب منسق شؤون المناطق «الإسرائيلي»، توقفها عن دفع فاتورة كهرباء قطاع غزة، التي تمثل 30 من إمدادات الطاقة بغزة، وتبلغ تكلفتها نحو 40 مليون شيكل. وهذا بحد ذاته إنذار خطير لتردي الاوضاع تنسيقاً ومخارج بين قطاع غزة والسلطة الفلسطينية وبين الضغوط التي تتعرّض لها السلطة من قبل «الإسرائيليين» أيضاً، ومستوى قدرتها على التحدي وهي تحت اختبارات عدة في المرحلة المقبلة.

ينتظر أهل غزة المحاصرة ضغطاً اقتصادياً يمهّد لحرب عسكرية تنال منهم وتقلبهم على القوى المقاومة، خصوصاً بعد التغييرات والتعيينات الجديدة التي طرأت على حركة حماس مجسّدة تنصّلاً من الاخوان المسلمين كامتداد يضعها حكماً ضمن مشاريع إقليمية سبق وسيقت اليها السنوات الأخيرة ما يعني رفع منسوب هذا الخيار اكثر عند «الإسرائيليين».

إضراب الكرامة في سجون الاحتلال مستمر بقرابة 1580 أسيراً من أولئك الذين قرّروا الإضراب عن الطعام. وهو إضراب مفتوح من اجل الحرية ومعركة الكرامة كما قالوا، وسط فعاليات تضامنية تسود مختلف المناطق الفلسطينية وصولاً لخارج فلسطين، حيث أخذ التحرك يوصل صداه لمسامع الشباب العربي الذي يجد في هذا التحرك ما يمثله من موقف عز وحياة عزيزة، في حين تواصل إدارة السجون «الإسرائيلية» إجراءاتها التعسفية بحق الاسرى الفلسطينيين وبعضهم بدأت حالته الصحية تسوء دون الاستسلام.

القلق على حياة الأسرى المضربين عن الطعام موجود «نعم» والتحسّب لانهيار دراماتيكي أيضاً، فقد بدأت إدارة سجون الاحتلال بنقل أعداد منهم إلى المستشفيات نظراّ لتردي أوضاعهم الصحية جراء استمرار الإجراءات القمعية بحقهم واستمرار سياسة العزل.. لكن هناك مَن لا ينوي أن يسقط التحرك في مهده ولا الخضوع لرغبة الاحتلال في النيل منه تماماً، مثلما اعتاد على العمل من أجل الشباب وتحريك الانتفاضات برفقة شبان المصير والسلاح والقضية… هو مروان البرغوتي..

البرغوثي الذي لطالما قاد جماهير فلسطين في انتفاضاتها منذ عام 1987 ضد الاحتلال «الإسرائيلي» للضفة الغربية، والذي لطالما رحل عن أرضه واعتاد على الاسر والحرية «معاً»..

البرغوثي الناشط في الانتفاضة الثانية أي انتفاضة الأقصى، كما الأولى حرّك وتحرّك مع نبض الشارع الفلسطيني وارتفع منسوب شعبيته بين أهل الأرض المحتلة كما في أرجاء الوطن الفلسطيني، تعرّض للموت وواجهه أكثر من مرة وفشلت «إسرائيل» بمحاولة النيل منه أكثر من مرة… البرغوثي الثائر المحكوم بالمؤبد «5 مرات لا يستسلم ولا يبدو أنه ينوي ذلك، فالثورة على الظلم لا تحدّها قضبان بالنسبة إليه والحرية لا تتجسّد عنده إلا بحرية الضمير والموقف… «عليك أن تعيش حراً.. أو تموت واقفاً لا خيار ولا بديل»..

يواجه البرغوتي اليوم بسجون الاحتلال الغضب والكرامة معاً وجهاً لوجه. هو أيضاً مُضرِب عن الطعام ويرفض الخضوع وإيقاف التحرّك على الرغم من تدهور صحته… ليس مروان وحده بطلَ هذه المعركة لكن «النائب» الفلسطيني الثائر الذي يتمتع بشعبية لا تزال تزداد يوماً بعد يوم وهو في سجن الاحتلال قادر ان يشكل حالة أرادها الشاب الفلسطيني قوة دفع في هذا الوقت الذي يعيش فيه قمة «النسيان» والإهمال لقضيته عربياً ودولياً بعدما خطّط من أجل ذلك..

ربّما تكون المرة الأولى التي يمكن لأسير فيها أن يلهم الأحرار خارج سجن أحرار الجسد والضمائر التائهين والحائرين والطامحين لاستغلال فرصة الانتفاضة الثالثة.. كيف يمكن لـ«الأسير» أن يلهم «الحرّ».. إنه الغضب القادم من أعماق القضية. أسرى من كل حدب وصوب في الارض الفلسطينية لا يعرفون بعضهم بعضاً لكنهم يعرفون عدوهم جيداً، هم الذين حركوا الفلسطينيين تدريجياً وسلّطوا أضواء الإعلام عليهم قادرون على إحداث فارق كبير..

«إسرائيل» تخشى اليوم تحرّك هؤلاء. وهم القادرون على تسعير نيران الشارع وإشعال فتيل الثورة مجدداً. إسرائيل المكبلة الايدي الحائرة بين ضربها لسوريا او لبنان او فلسطين، وقعت بين حصار القضبان الذي سجنت فيه صوت الحق الفلسطيني وبات تقاطع المواعيد والمناسبات قنبلة موقوتة بوجه تل أبيب، فأي تطور دراماتيكي لملف الأسرى قد يُلهب الشارع وتندلع الانتفاضة ويقع ما لم يكن بالحسبان، وأي حرب في غزة تضغط على فلسطينيي الداخل وتأخذ «إسرائيل» إلى حرب رسمية كبرى وأي حرب أو رد من جهة سوريا على اعتداءاتها نحو الداخل قد تكون مقتلاً لادعاءات القبة الحديدية وإرهاباً كاملاً للجبهة الداخلية..

مروان البرغوثي أيّها الثائر من وراء القضبان كما كنت في الأولى والثانية… اعْلِنها «الثالثة» بوجه الأوغاد..