أسفرت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عن تأهل مرشحين اثنين إلى الدور الثاني هما:

الأول، ايمانويل ماكرون زعيم «حركة إلى الأمام»، ومعروف أنه يقف في الوسط بين الجمهوريين والاشتراكيين ويحظى بدعم الحركة الصهيونية والمصارف ومناصري الاتحاد الأوروبي، وقد جاء في الترتيب الأول حيث نال ما يفوق الـ 24 بالمائة من أصوات المقترعين.

والثاني، مارين لوبان زعيمة «الجبهة الوطنية»، التي تمثل اليمين القومي المتطرف، وتدعو إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي والدفاع عن فرنسا ضد العولمة المتوحشة، ووقف الهجرة، ومحاربة الإرهاب، وقد نالت ما يتجاوز الـ 23 بالمائة.

غير أن فوز ماكرون ولوبان شكل تطورا جديدا غير مسبوق في الحياة السياسية الفرنسية. فهذه هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية التي يجري فيها سقوط مرشحي الأحزاب الرئيسية التي تناوبت تاريخيا على حكم فرنسا منذ عام 1958، من الدورة الأولى، والسبب الرئيسي في فشل وصول مرشح اليمين فرانسوا فيون الذي حل ثالثا بنسبة 21 بالمائة هو انقسام قاعدته الناخبة بين مؤيد ورافض له بعد فضائح الفساد التي أثيرت ضد عائلته، وعجز اليمين عن التصدي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بل أنه يتحمل مسؤولية تفاقمها نتيجة إصراره على الانحياز إلى جانب مصالح أرباب العمل، في حين أن فشل مرشح الحزب الاشتراكي فسر على أنه ناتج من تشظي الحزب على خلفية تأييده للسياسات الرأسمالية في تعديل قانون العمل والتي اعتبرت خيانة لمبادئ الحزب وبرنامجه الاشتراكي.

لقد أدى سقوط الحزبين الجمهوري والاشتراكي إلى دفع صحيفة «غارديان» للقول في افتتاحيتها إن «الجولة الأولى من السباق إلى الإليزيه، أدت إلى هزيمة أحزاب ما بعد الحرب (العالمية الثانية)»، معتبرة أن «فرنسا صوّتت من أجل التغيير». ورأت أن نتيجة هذه الجولة «تعكس انقلاباً سياسياً عصرياً»، مضيفة أنه «للمرة الأولى في حوالي 60 عاماً من تاريخ الجمهورية الخامسة، ستكون الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين مرشحين دخيلين».

من المرجح أن ماكرون سيكون هو الأوفر حظا بالفوز في الجولة الثانية، في مواجهة منافسته لوبان، وهذا الأمر ينبع من حسابات انتخابية عملية تكمن في أن القوى الأساسية المؤثرة والتي لم يحالف الحظ مرشحيها ستصوت لصالح ماكرون باعتباره الأقرب لمصالحها من لوبان وهي:

ــ حزب اليمين الديغولي (من أجل الجمهورية) على أن فيون دعا إلى انتخاب ماكرون، فيما عارضه البعض في حزبه.

بعض قواعد الحزب الاشتراكي.

ــ التيارات الفرنسية المعارضة بقوة لمرشحة اليمين المتطرف.

ــ الجاليات العربية والمسلمة التي تتخوف من وصول لوبان إلى الرئاسة.

ــ الرأسمالية المالية التي تعتبر ماكرون مرشحها الذي يتبنى برنامجها الاقتصادي الريعي، وتعتبره منقذ فرنسا من خطر الانسلاخ عن الاتحاد الأوروبي.

ــ اللوبي الصهيوني صاحب النفوذ المالي وفي العديد من وسائل الاعلام، والذي يعتبر ماكرون ممثله ومؤيد قوي للسياسة الإسرائيلية ضد العرب.

ــ دول الاتحاد الأوروبي التي سارع قادتها إلى الترحيب بتأهل ماكرون وأعربت عن تمنيها بفوزه بالرئاسة.

هذه المعطيات تؤشر إلى أن موازين القوى تصب في مصلحة ماكرون، حتى أن الكثير من المعلقين والمحللين بدأوا يتصرفون على أن رئيس فرنسا المقبل هو ماكرون.

أما الأحزاب اليسارية فإنها على الأرجح لن تصوت لأي من المرشحين باعتبار أن برنامجيهما يتعارضان بالمطلق مع برامج هذه الأحزاب.( وهو ما عبر عنه ميلانشون).

الآفاق

مع كل هذه المعطيات التي تشير إلى أن ماكرون سوف يحقق فوزا بفارق كبير على لوبان استنادا إلى تحول أصوات اليمين المحافظ واليمين الوسط والنخبة المالية وحتى الجاليات العربية والمسلمة لمصلحته، فانه من غير المتوقع أن تكون الجولة الثانية من الانتخابات سهلة أمام ماكرون، فهو يواجه منافسة قوية لديها شعبية وتطرح برنامجا يلبي مطالب الغالبية لمواجهة الصعوبات الاقتصادية وتنامي البطالة والتهديد الإرهابي وتزايد الهجرة، الأمر الذي قد يكسبها الكثير من الأصوات خصوصا وان البرنامج الاجتماعي الاقتصادي لـ ماكرون منحاز إلى جانب مصالح الرأسمالية الريعية. وهو ما شكل مثار تساؤل لدى صحيفة «ذي نيويورك تايمز» الأميركية التي رأت أن «إيمانويل ماكرون يصعد في التحدّي الوطني أمام مارين لوبان»، لكنها أشارت إلى أن حزب هذه الأخيرة «المعارض للهجرة سيبقى بالتأكيد قوياً، طالما أن البطالة الفرنسية ترتفع، وطالما يشعر الفرنسيون بأنه جرى التخلي عنهم من قبل النخبة، وبالتالي ليس لديهم أمل أفضل».

لكن هناك تخوفا لدى معارضي لوبان من تراجع نسبة التصويت وعدم استعداد قواعد الأحزاب للالتزام بمواقف قادة أحزابها، وأن تعزف عن التصويت، وهو ما قد يصب في مصلحة لوبان، التي تسعى إلى تسويق نفسها على أنها مرشحة كل الفرنسيين وتملك رؤية لإخراجهم من الأزمة.