20 نيسان 2016، كانت السعودية على موعد مع زيارة الرئيس الاميركي في حينه باراك اوباما. وكان المنطق يفرض ان زيارة بمثل هذا المستوى لشخص بهذا الحجم، من شأنها ان تجعل المسؤولين السعوديين مسرورين لحصولها، ولكن "البرودة" في التعاطي معها كان هو المسيطر، وذلك بسبب الاتفاق النووي الذي كان لواشنطن اليد الطولى في ابرامه بين الغرب و​ايران​ حول مشروعها النووي.

اليوم، تحضر الرياض لاستقبال الرئيس الاميركي الجديد ​دونالد ترامب​، وعلى عكس "البرودة" التي اتسمت بها الزيارة السابقة، بدأت الحرارة تشتعل منذ ما قبل حصولها، وعمد الملك العسودي الى دعوة عدد من القادة والرؤساء العرب لحضور الاجتماع، ووصفتها وسائل الاعلام السعودية بالتاريخية. هناك شق من هذا الوصف يصح بالفعل، وهو انها المرة الاولى التي يعمد فيها رئيس اميركي الى القيام بأول زيارة له بعد توليه السلطة الى دولة عربية او حتى الى دولة غير مجاورة (كندا او المكسيك)، اما غير ذلك، فهو موضع بحث.

التهليل السعودي للزيارة المرتقبة انما يأتي من باب "الانتقام" من الرؤية السابقة للادارة الاميركية التي مدّت اليد الدبلوماسية الى ايران، فيما لا يبدو ان الادارة الحالية في هذا الوارد وان لم تعمل على نقض الاتفاق النووي المبرم (الاتفاق مبرم مع دول الغرب وبالتالي يحتاج الى توافق دولي للتخلي عنه)، ولكنها اوضحت انها غير مستعدة للسير في الطريق التي مشى عليها اوباما. هذا الامر كان كافياً للسعودية لتلقف المسألة والترحيب بكل ما يصدر عن اميركا في الآونة الاخيرة.

وبانتظار الموعد، يلقي البعض شكوكاً حول النتائج، فيذكّر بأن الرئيس الاميركي الجديد لم يعتمد سياسة واضحة حيال اي ملف منذ وصوله الى البيت الابيض، ان بالنسبة الى التعامل مع نقل السفارة الاميركية الى القدس، او بالنسبة الى مشكلة كوريا الشمالية، او حتى الازمة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الاسد، ناهيك عن التغييرات المتواصلة لطاقم عمله من اقرب المقربين اليه الى الابعدين... كما يذكّر هذا البعض بموقف ترامب نفسه من السعودية وهو ما كرره في اكثر من مناسبة واكثر من مرة حول وجوب شرائها للامن الذي توفره لها الولايات المتحدة. ويسأل البعض في هذا السياق عما اذا كانت الرياض قد وافقت على دفع "بدل" مقابل المواقف الاميركية، انما في ظل الوضع الاقتصادي الدقيق للمملكة فإن الامور قد تتجه في هذه الحال الى الاستعاضة عن المشاكل السياسية والعسكرية بمشاكل اقتصادية ومالية وهو امر لا يقل خطراً او سلبية على النظام السعودي.

لا شك ان الزيارة المنتظرة ستكون "رافعة" للسعودية، وستعيد لها مكانتها المحترمة في الشرق الاوسط، ورسالتها بأن دورها في المنطقة لا يزال "محفوظاً" ولم ينته بعد، وانه بامكانها ان تقف في وجه ايران رغم التطورات الاخيرة التي حصلت. هذا على الجبهة الايرانية، ولكن ماذا عن الجبهة السورية وباقي الجبهات؟ لا يخفى على احد ان الدور السعودي في سوريا تقلص الى حده الادنى وهو حال الدور الخليجي بشكل عام، وهذا الامر فرضه التدخل الروسي المباشر والقوي، وبالتالي فإن موسكو باتت الممر الالزامي لاي تغييرات في المنطقة ولا يمكن القفز فوقها من قبل اي دولة، وهذا ما اثبتته الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى البيت الابيض.

لا تشبه الزيارة التي قام بها اوباما الى السعودية تلك التي سيقوم بها ترامب، وهذا امر مؤكد، انما ما هو غير مؤكد يبقى في ما ستسفر عنه، فقد أدّت السابقة الى تراجع النفوذ السعودي ودور المملكة، فهل سيسفر لقاء الرئيس الأميركي الحالي الى تصحيح هذا الامر أم الى استمراره بصيغة مقنّعة؟.