حج آلاف من المؤمنين من كل الطوائف، إلى كنيسة القديسة ريتا في سن الفيل ملبّين دعوة خادمها الخوري جان – بول أبو غزاله للتبرك من ذخائر شفيعة الأمور المستحيلة في عيدها والمشاركة في نشطات الكنيسة الروحيّة والإجتماعيّة.
وترأس في المناسبة المطران بولس مطر، الذبيحة الإلهية، وبعد الإنجيل المقدس ألقى المطران مطر عظة تحدّث فيها عن إيمان القديسة ريتا وحياتها التي كانت مليئة بالصعوبات والأحزان، وأشار الى ان نحن في لبنان أمام مصاعب، الشرق كلّه يغلي، هذا صحيح لكنّ الله موجود، وأهل السياسة ليسوا هم وحدهم من يقود التاريخ. التاريخ تقوده النعمة الإلهيّة، وإذا حدثت نكسات فمن صلب النكاسات يطلع الرجاء، كما يطلع النهار من قعر الليل. فلا نخاف فنحن بين أيدي أمينة، بين يدي الربّ وأيدينا بعضنا ببعض حتى نتكامل ونتضامن لنعبر كلّ الألام إلى خلاص يسوع المسيح. هذا ما تلهمه إيانا القديسة ريتا، فلتكن لكم ولنا شفيعة، فيقوى إيمانكم بالربّ وتعيشون فرح الله الذي لن ينزعه أحد منكم، كما قال ربّنا يسوع المسيح، وكل عيد وأنتم بخير ولبنان إلى الأحسن إن شاء الله وأولادنا سيعرفون الفرح على هذه الأرض التي هي أرض مباركة مقدّسة بالقديسين والرسل.
ورأى مطر أن في هذا العيد المبارك، عيد القديسة ريتا شفيعة هذه الكنيسة، نرفع أنظارنا إلى الله سائلينه تعالى أن يجدّد إيماننا ورجاءنا وتوكلنا عليه. وإن كانت الكنيسة تطلب منّا، نحن الكهنة، أن نقرأ في عيد القديسة ريتا الإنجيل الذي تُلي على مسامعكم، حيث يُنبىء الرب بألامه والشتم بحقه والتعذيب حتى الموت، وبقيامته في نهاية المطاف، فلأن الكنيسة تريد أن نقرأ حياة القديسة ريتا في ضوء هذا الإنجيل المقدس. يسوع يقول لنا، ليس تلميذ أفضل من معلّمه، فإن كانوا عذّبوني، سوف أنتم، أيضًا، تحتملون العذاب. وإن كنتُ أنا ذاهب إلى القيامة وانتصار المحبّة على الموت والبغض، فإن آلامكم إذا شابهت آلامي ستصبح هي ،أيضًا، آلامًا فدائيّة للعالم بأسره. عندئذٍ تنقلب الصورة واليأس الذي نعيشه بالألم ومصائب الدهر الكبيرة، يُضيئه الله ويحوّله إلى رجاء كبير. وفي القداس الإلهي عندنا صلاة مارونيّة خاصة تقول: إجعل يا رب ما يؤذينا ويُخسّرنا يتحوّل إلى ما يُفيدنا وينفعنا ونرفع لك المجد إلى الأبد. القديسة ريتا وصلت إلى اليأس وإلى قعر اليأس والألم والعذاب، والله أضاء أمامها، فحّولها إلى قديسة نذكرها اليوم، بعد حوالي 650 سنة بعد وفاتها. إن شاء الله، يذكر العالم من بينكم أحدًا، بعد 650 سنة على وفاته، لأن هذا أمر عظيم، أن تُذكر هذه المرأة في الكنائس كلّها وأن تكون محبوبة إلى هذا الحدّ، فهذه أعجوبة من الله، أعجوبة رجاء وأمل وقيامة. عاشت في بيت مؤمن، أبواها تقيان علّماها محبّة المسيح والكنيسة واللطف والوداعة والطاعة للوالدين اللذين أرادا أن يزوجوها، فكان لها الزوج الشرير فوقعت القديسة ريتا في هذا الفخ، لكنها سلّمت أمرها إلى الربّ وراحت تصلّي من أجله، ويُقال أنه تحسّن مع الزمن إلا أنه قُتل في شجار. وكان لهما ولدان شابان، عرفت ريتا أنهما يريدان أن يأخذا بثأر الوالد، وهي لا تريد ذلك. فطلبت من الله أن يأخذهما ولا أن يقعا في الجريمة والخطيئة الكبيرة. وبعد ان مات ولداها عاشت إمرأة متروكة للقدر، كما نعرف الكثيرات على صورتها، دخل اليأس قلبها دخولًا من الباب الواسع. هنا أمسكتها يد العناية الإلهيّة والربّ أمسكها بعنايته وأدخلها إلى الدير، وهناك بدأت مع المسيح، قصّة قداسة لم تنتهِ أبدًا ودخل السلام إلى قلبها وسارت على طريق القداسة والنعمة التي دخلت إلى قلبها، وقالت لربّها أريد أن أتألم معك، كما قالت قديستنا رفقا لربّها أريد أن أتألم معك يا ربّ ألامًا حسيّة. فلنفتح قلوبنا لنعمة الله لنرى وجهه، فالقلوب هي المرآة الحقيقيّة التي ترى الأشياء بأعماقها. القديسة ريتا اشتهرت بقديسة الأمور الصعبة والمستحيلة، فهي عاشت صعوبات في حياتها انقلبت إلى سعادة مع الله بنعمته تعالى وإلى مجد جديد. ونحن، أيضًا، على صورة يسوع المتألم والقائم من الموت وعلى صورة القديسة ريتا المتألمة والقائمة من آلامها إلى مجد القداسة، نحن، أيضًا، مدعوون ومهما كانت آلامنا، لأن نجدد إيماننا ورجاءنا ونقول: يا ربّ تسلّم حياتي. الله يأتي إلينا حيثما نحن. البابا المستقيل بنديكتوس ابن التسعين سنة، الذي قال: سأستقيل لأكرّس حياتي للصلاة من أجل الكنيسة التي خدمتها كثيرًا، سُئل: كم من طريق تؤدّي إلى الله؟ فقال هناك طُرق على عدد الناس، لكلّ منّا طريقه إلى الله. لذلك نجدد رجاءنا به أن يزورنا حيث نحن، شرط أن نفتح له قلوبنا وحياتنا. الربّ قال لنا: بدوني لا تستطيعون شيئًا. وحدنا لا نستطيع شيئًا ولكن مع الربّ قادرون، حتى على القداسة. القديسة ريتا تعلّمنا ليس بالكلام، لم تكتب شيئًا. بل هي علّمتنا بمثلها وحياتها، كيف يكون الرجاء والإيمان الذي ينقل جبال الغم والحزن إلى زمن الفرح ومساحاته كلّها. نشكر الله على هذه النعمة أننا نأتي هذا اليوم، بالألاف إلى كنيسة القديسة ريتا على مدى 24 ساعة، وقد صارت هذه الكنيسة فعلًا ومن دون تُكرّس قانونًا، صارت مزارًا للقديسة ريتا للبنان كلّه. نشكر كلّ أبناء سن الفيل الذي آمنوا بالمستحيل وأقاموا هذه الكنيسة بنعمة الله والتوكل عليه، فكانت هذه القديسة العظيمة بفضله تعالى. افرحوا. هي أُعجوبة أن تُكرّس هذه الكنيسة مزارًا للقديسة ريتا لكل اللبنانيين والمقيمين في لبنان.