لا يمر أسبوع واحد على بعلبك، من دون إشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين هذه العشيرة وتلك. ولا يمرّ أسبوع واحد من دون أن يسقط بسبب هذه الإشتباكات ضحايا مدنيين أبرياء، جريمتهم الوحيدة أنهم يعيشون في مدينة الشمس التي، وعلى رغم كل ما يحصل فيها من فلتان، لا تزال تنتظر من الدولة قراراً حاسماً يضع حداً لنشاط عصابات السلب وتجار المخدرات والهاربين من وجه العدالة بعشرات ومئات مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم. آخر مظاهر هذا الفلتان، ضحية لم يتخط عمرها الثماني سنوات. إنها الطفلة لميس نقوش التي قتلت مساء الثلثاء برصاصات غادرة إخترقت رأسها، مصدرها الإشتباكات النارية التي إندلعت بين عائلتي وهبي ونقوش في حي الشراونة.

ليست لميس الضحية الأولى للفلتان الأمني في بعلبك، وللأسف، لن تكون الأخيرة إذا إستمر التعاطي الرسمي مع هذا الملف، على هذا المنوال. "فبعلبك، ليست جرود عرسال المحتلة إرهابياً، وليست جرود رأس بعلبك، المحتلة أيضاً، وبالتأكيد ليست شبه مقفلة كمخيم عين الحلوة" يقول مصدر أمني متابع، ويضيف، "إذا قرّر مجلس الأمن المركزي إعادة الوضع الأمني في بعلبك الى طبيعته، فلن يحتاج الى أكثر من إصدار قرار بذلك حتى تعود الأمور الى إنضباطها، ويقف مسلسل القتل والإقتتال إما برصاص مباشر نتيجة ثأر أو خلاف، وإما برصاص طائش مصدره شاب طائش".

ثقة المصدر الأمني المذكور المفرطة بأن ضبط الفلتان في بعلبك لا يحتاج الى أكثر من قرار، تعود الى أسباب عدة يعرفها جيداً السياسيون والأمنيون المعنيون مباشرة بهذا الملف، أبرزها:

أولاً، الوضع الأمني في بعلبك ليس أصعب أبداً مما كان عليه الوضع في طرابلس أيام جولات القتال، التي، تخطى عددها العشرين بين جبل محسن وباب التبانه. ففي عاصمة الشمال، كان الصراع سياسياً مذهبياً بين السنة والعلويين، وسقط المئات من الضحايا والقتلى والجرحى، وصرفت المليارات على تمويل المسلحين، على رغم كل ذلك، عادت الحياة الى طبيعتها وبكبسة زر فقط، يوم قرّرت الدولة تطبيق خطة أمنية ووقف مسلسل الإقتتال في طرابلس.

ثانياً، في بعلبك، الوضع مختلف تماماً، فما يحصل هو عبارة عن إشكالات مسلحة بين عائلتين أو بين مجموعة من تجار المخدرات تنتهي بسرعة، وبمدة زمنية لا تتخطى الساعتين في حدها الأقصى، كما أن خلفياتها ليست مذهبية، وبالتالي، يمكن ضبطها بقرار سياسي أمني، خصوصاً أن الأحزاب الفاعلة في المدينة أي حزب الله وحركة أمل، سبق وأعلنا مراراً وتكراراً رفضهما المطلق لهذه الإشكالات المسلحة، وسبق لهما أن وجّها أكثر من دعوة للأجهزة المعنية، بالضرب بيد من حديد ووقف هذا المسلسل الدموي، حتى لو أن مفتعلي هذه الإشكالات يدورون سياسياً بفلك الحزب والحركة.

ما تقدم، لم يعد مقبولاً بعد اليوم في زمن العهد الرئاسي الجديد الذي يتطلع الى مهمات بصعوبة تحرير جرود عرسال ورأس بعلبك، وينفذ عمليات نوعية ومروحية في هذه الجرود ضد أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، أن يبقى الفلتان الأمني في بعلبك على حاله، وأن تشيّع المدينة بوتيرة شبه أسبوعية أطفالاً، دماؤهم أغلى بكثير من أن يقتلوا برصاص إشتباك عائلي لأسباب مُخْتَلِفَة ومُتَخَلِّفَة!.