منذ إنفجار الأزمة الحالية بين الحكومة القطرية والحكومتين السعودية والإماراتية، تطرح الأسئلة حول السيناريوهات التي من الممكن أن تتخذها، لا سيما على مستوى الخيارات التي لدى الدوحة لمواجهتها، خصوصاً بعد أن أثبتت الرياض وأبو ظبي أنهما مستعدتان للذهاب حتى النهاية في التصعيد.

في هذا السياق، يبدو أن قطر ستكون أمام جملة من الإحتمالات الصعبة، بالنظر إلى أن المطلوب منها الإختيار بين أمرين: الرضوخ إلى الضغوط الهادفة إلى إخضاعها أو الذهاب نحو المواجهة المفتوحة التي قد يكون لها تداعيات كبيرة.

الإستعانة بواشنطن

من وجهة نظر بعض المتابعين، هناك عامل لا ينبغي تجاهله على الإطلاق في هذا الصراع، هو الموقف الأميركي مما يحصل، خصوصاً أن الحملة التي أطلقت ضد الدوحة جاءت مباشرة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس دونالد ترامب للسعودية، وعقده مجموعة واسعة من الصفقات التي كان يحتاج لها لدعم سلطته على المستوى الداخلي، وبالتالي لا يمكن أن تقوم الرياض وأبو ظبي بهذه الخطوات من دون أن تحظى بغطاء من الولايات المتحدة أو على الأقل غض النظر، في المقابل لا يمكن أيضاً أن تكون واشنطن بعيدة عن أي من الخيارات التي ستذهب إليها الدوحة في الأيام أو الساعات المقبلة، حيث من الممكن أن تستعين بها لحمايتها.

على الصعيد الرسمي، من الممكن العودة إلى مواقف كل من وزيري الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، لرصد موقف بلدهما، حيث إستبعدا أن يؤثر قطع العلاقات مع قطر على "محاربة الإرهاب"، لكنهما حثّا الجانبين على حلّ خلافاتهما، لكن بالتزامن أكد مسؤول أميركي، لوكالة "رويترز" للأنباء، ان "تصرفات قطر مقلقة جداً بالنسبة لجيرانها وللولايات المتحدة"، وهنا يكون السؤال عما إذا كانت واشنطن سوف تتخلى عن الدوحة أم أن ترامب ينتظر منها طلب المساعدة لدفعها إلى إبرام صفقات شبيهة بتلك التي حصلت مع السعودية في الفترة الأخيرة.

التعاون مع طهران

على المستوى الإقليمي من الضروري رصد الموقفين التركي والإيراني، نظراً إلى أن أنقرة تعتبر حليفاً أساسياً لقطر في حين أن التوتّر متصاعد وغير مسبوق بين طهران والرياض، إلا أن تركيا، التي من المؤكد أن دورها على مستوى العالم الإسلامي هو المستهدف من هذه الحملة، اكتفت بالتعبير عن شعورها بـ"الأسى" ودعت إلى الحوار لحل النزاع، بينما إيران أبدت استعدادها لتصدير مختلف المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية إلى قطر عبر الموانئ الإيرانية، في وقت كان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف يقوم بجولة من الإتصالات لمتابعة الأزمة.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن الدوحة سيكون عليها الرضوخ أو السعي إلى حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، من خلال الإستعانة بالأميركي أو عبر الرهان على نجاح الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، الأمر الذي تم التأكيد عليه من خلال تأجيل خطاب أميرها تميم بن حمد، وفي الحالتين سيكون عليها تقديم تنازلات كبيرة، أو الذهاب إلى المواجهة التي سيكون لها تداعيات خطيرة، وهي من الممكن أن تقوم على أساس تعزيز التعاون مع إيران، وهي متّهمة أساسا (أي الدوحة) من قبل أبو ظبي والرياض بالتعاون معها، مع العلم أن الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر لم تفعل ذلك مع إيران.

الإنقلاب!

في الجانب المقابل، يبدو أن الرياض وأبو ظبي قررتا الإستمرار في الضغط على قطر من خلال مجموعة جديدة من الإجراءات وهما تنتظران ردة فعلها على ما حصل، وفي حال قرّرت الدوحة المواجهة سيكون أمامهما خياران: الأول الذهاب إلى عمل عسكري يبدو بعيداً، والثاني الرهان على إنقلاب في العائلة الحاكمة القطرية، ومن المعروف أن هذا الأمر وارد جداً، لا سيما أن للدوحة تاريخ طويل مع هذا الأمر، يبدأ من إنقلاب جدّ الأمير الحالي خليفة بن حمد على ابن عمه أحمد بن علي آل ثاني، ولا ينتهي بانقلاب والده الأمير السابق حمد بن خليفة على والده، بل يشمل أيضاً ما وصف بأنه إنقلابه على والده.

في المحصلة، تبدو قطر اليوم مضطرة إلى التعامل بجدية مع الضغوطات التي تتعرض لها، إلا أن الإحتمالات التي بين يديها ليست واسعة، وبالتالي عليها أن تقرر سريعاً المسار الذي ستذهب إليه قبل فوات الآوان.