يقال إن قانون الإنتخاب الذي يعمل الأفرقاء السياسيون على إقراره والقائم على التصويت النسبي في 15 دائرة بصوت تفضيلي واحد، هو قانون "كل مين بالو بحالو" أو القانون الذي يضرب مبدأ التحالفات إنطلاقاً من النظرية القائلة إن ترشح الأحزاب البارزة بشكل فردي يعطيها أرجحية الفوز بعدد من المقاعد يفوق العدد الذي يمكن أن تحصده إذا كانت متحالفة مع أحزاب أخرى، كل ذلك لأن لعبة توزيع الصوت التفضيلي قد يستعملها هذا الحزب ضد حليفه لإيصال مرشحيه على اللائحة وإخراج مرشحي الحليف من اللعبة.

قد تصحّ هذه النظرية على عدد كبير من الدوائر الإنتخابية، وقد تكون سبباً أساسياً لضبابية المشهد التحالفي القائم، لكنها لا تنطبق أبداً على الدائرة التي خطفت لقب أم المعارك حتى قبل إقرار القانون وقبل تحديد موعد الإقتراع. إنها طرابلس عاصمة الشمال التي لا يصعب على من يزورها أن يكتشف وبسرعة، بأن التحضيرات الإنتخابية للأفرقاء المتنافسين تسير بوتيرة أسرع من أي دائرة أخرى، وبأن صورة التحالفات أصبحت شبه واضحة. ففي المدينة التي تمثل بثمانية مقاعد، يضاف اليها ثلاثة مقاعد عن دائرة المنية-الضنية التي ألحقت بطرابلس إنتخابياً، رسى المشهد الإنتخابي حتى اللحظة على ثلاث لوائح يتم إعدادها: لائحة أولى قوامها تيار المستقبل، والنائب ​محمد الصفدي​، لائحة ثانية برئاسة رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ المتحالف مع الوزير السابق فيصل كرامي، ولائحة ثالثة برئاسة اللواء ​أشرف ريفي​. وإذا لم ينجح ريفي بالتحالف مع قوى المجتمع المدني الطرابلسي التي ساهمت بفوز لائحته في الإنتخابات البلدية عام 2016، وهي على علاقة غير جيدة به اليوم بسبب إخفاقات المجلس البلدي وعدم إلتزامه بوعوده، قد تدخل الى المشهد الإنتخابي لائحة رابعة للمستقلين. أما بالنسبة الى القوى السياسية التي تعتبر من الأقليات في المجتمع الطرابلسي، والتي لم تكن تلقى أصواتها الإهتمام الزائد في زمن قانون الستين الأكثري، وأصبح لها تأثيرها اليوم في ظل القانون النسبي، فمن المرجح أن تتمحور إنتخابياً على الشكل التالي:

-الثنائي المسيحي أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، سيلتحق بلائحة تيار المستقبل نظراً الى العلاقة الجيدة جداً التي تجمع قيادتي التيار والقوات برئيس تيار المستقبل والحكومة سعد الحريري.

-الإسلاميون هم أقرب الى لائحة تيار العزم برئاسة ميقاتي، نظراً الى إحتضانهم من قبل الأخير يوم كان الحريري خارج السلطة ولبنان، وفي الوقت عينه يحاول الحريري إعادتهم الى معسكره، متّكلاً على قانون العفو الذي يُعمل على إعداد لوائحه الإسمية بين رئاستي الجمهورية والحكومة والوزارات المعنية، وعلى إطلاق سراح أبنائهم الموقوفين في السجون. أما علويو جبل محسن الذين من المستحيل أن يتحالفوا مع ريفي، فتتحدث مصادر طرابلسية عن محاولة يقوم بها الوزير كرامي لضمهم الى لائحة ميقاتي، كل ذلك وسط فتح الحريري أيضاً قنوات التواصل معهم.

يضاف الى هذه القوى التي لم تحسم أمرها بعد الجماعة الإسلامية التي تربط تحالفها في طرابلس بالدوائر الأخرى كصيدا وبيروت، وبالتالي، فقيادتها لن تتحالف مع تيار المستقبل في طرابلس وتخوض معارك ضده في الدوائر الأخرى، لذلك قرارها مؤجل نوعا ما الى حين بتّ الحريري بمطالبها.

إذاً المشهد في طرابلس أوضح من أي دائرة أخرى، فهل سبب هذا الوضوح، محاولة البعض ضرب تيار المستقبل في الدائرة التي يقال إن من يفوز فيها يحصل على شرعية تمثيل الطائفة السنية في لبنان؟.