لم يعد هناك ما يقف في وجه رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بعد اليوم وهو “المستشرس” لاستعادة ساحته السنية أو قلْ لتحصينها من جميع “الدخلاء” المتسلقين على غيابه وأخطائه التي ما هي سوى أخطاء من وثق بهم في حضرة “غربته” القسرية.

بقوّةٍ يعود الرجل الى الساحة السياسية، كيف لا وهو رجل العهد الثاني، الذي من أجل تأمين مكانٍ له في السراي الحكومي مجددًا اضطر الى ترشيح ألدّ خصوم الأمس والى إيصاله الى قصر بعبدا ليشكلا معًا ثنائيًا ناجحًا ما أفلحت الخصومات والفتن المتنقلة و”القيل والقال” في خرق صفوفهما والنيل من اتفاقهما.

مسؤوليتان...

يستشعر الحريري حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه. مسؤولية مزدوجة تبدأ بانتشال البلد من غفوته البرلمانية العائشة على أوكسيجين تمديدين، وذلك من خلال إنتاج قانون انتخابي جديد كما وعد ورئيس الجمهورية. ومسؤولية انتشال شارعه السني من سباته العميق لا بل إبعاده عن التحولات التي ركنت الى خطابٍ طائفي تعصّبي لتخترق صفوفه وتوجّه له صفعاتٍ قاسية بين ساحاته الرئيسة الثلاث: طرابلس وبيروت وصيدا.

الى حجمه الطبيعي!

لا يريد سيّد السراي أن يتكرر سيناريو الانتخابات البلدية الأخيرة. لا يريد أن يُقزَّم دوره أو أن يهتز لقبه كممثل أول للسنة وليس أي سنة بل سنّة الاعتدال في لبنان. لا يريد أن يبدو في منزلةٍ تمثيليةٍ أقل عن الشيعية الكاسحة والثنائية المسيحية المهيمنة على الصوت المسيحي بعيدًا من بعض “الفرافيط”... هنا بيت القصيد. يأبى الحريري الا أن يُرجِع كل واحد الى حجمه الطبيعي خصوصًا من كان هو سببًا في انطلاقتهم السياسية، وعندما يتخذ الحديث هذا المنحى تشخص الأنظار في الدرجة الأولى نحو الوزير السابق اللواء أشرف ريفي الذي يعتقد كثيرون أنه ظاهرة وانطفأت فيما يؤكد آخرون أنه آخذ في التمدُّد وفي توسيع رقعة نفوذه خارج الأسوار الطرابلسية.

تطويق سنّة طرابلس

كان على الحريري أن يفعل شيئًا. كان عليه أن “يقصقص” بعض الجوانح حتى لو كانت تعود لمن اعتبره ذات يوم صقرًا من صقوره قبل أن يغرّد خارج سربه. يحقّ لريفي أن يحقق ذاته، ويحقّ للحريري على السواء أن يريه حجمه الطبيعي في طرابلس وعلى مستوى لبنان. لم يكن الحريري ليحقق نفسه في قانون الستين أقله على مستوى دائرة طرابلس. كان لا بدّ من قانون وتقسيم يناسبانه في هذا المجال خصوصًا أن طلبه الوحيد: عدم السماح لأحد بالاستقواء عليه انتخابيًا. للوهلة الأولى بدا القانون النسبي منصفًا لكلّ من عنّ الترشُّح على باله من خارج دائرة الأحزاب ولكن ليس إذا كان تقسيم الدوائر مفصلًا على قياس كلّ حزب. 15 دائرة فيها من الفرادى وفيها من الجمع، وفي مقاربة بسيطة يبدو واضحًا أن ضمّ طرابلس الى المنية والضنيّة من شأنه أن يطوّق الأصوات السنية الخارجة عن “طاعة” آل الحريري، خصوصًا أن الصوت السني في المنية والضنية يصبّ لصالح الحريري في حال “عرج” في طرابلس المتوقع أن يتكتل فيها أكثر من زعيم ضدّه. ولهذه الغاية “تذاكى” الحريري حكوميًا بتعيين أكثر من وزير شمالي ليتمكّن من التقاط نفَس المنطقة السني من جديد من خلال مفاتيح حكومية.

ما زال وفيًا...

من طرابلس الى بيروت التي يدمج القانون النسبي دائرتيها الثانية والثالثة في دائرة واحدة من شأنها هي الأخرى أن تخفف على الحريري وطأة “أصوات النشاز”. رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة والباشورة كلها في دائرة واحدة وتخضع لمعيار تصويتي موحّد مع صوتٍ تفضيلي قد لا يقدّم ويؤخر في ظلّ التفاهمات السياسية والاتفاق الضمني على توزيع المقاعد مع الاطمئنان الى أن الصوت السني البيروتي ما زال وفيًا للرئيس الشهيد إلا في حال أحدث المجتمع المدني زوبعة أقوى من تلك التي أحدثها خلال الانتخابات البلدية وهو أمرٌ غير مرجّح في ظلّ التفاهمات السياسية والعهد الجديد القائم على توزيع أدوار ومقاعد مع ضمان عدم “الطعن” كما في المرة السابقة.

"اعطيني تأعطيك"

تبقى صيدا، حيث كان الوجع أخفّ في الانتخابات البلدية من صدمتَي بيروت وطرابلس. ومع ذلك كان لا بدّ من اتفاق حريري-عوني يحصّنها جيدًا. سُلِخ شرق صيدا عن المدينة و”بيع” للرئيس نبيه بري المتمسّك باختيار نائبه المسيحي عن دير الزهراني سواء كان ميشال موسى أم خلفًا له، وفي المقابل ضُمَت صيدا المدينة المنقسمة بحارتها وشرحبيلها الى جزين التي ستكون لها الكلمة الفصل في اختيار نائبَي الجارة السنيّة خصوصًا أن كفة عدد الناخبن تميل الى قضاء جزين عدديًا على حساب صيدا وحدها كمدينة. وبالتالي، على قاعدة “اعطيني تأعطيك” ستسير الأمور في حال انتصار القانون النسبي خصوصًا أن لعبة التشطيب ما عادت واردة والناخب ملزم بلائحة واحدة، وعليه سيضطر عونيو جزين الى التصويت للائحةٍ عليها مرشحان سنيان اختارهما الحريري والعكس صحيح.

العهد عهدُه...

هي حال الحريري الانتخابية. حال مطمئنة في ظل التحالفات السياسية والتقسيمات الانتخابية، لا سيما أن معظم من انسلخ عن جلده أو فكّر في ذلك عاد واستدرك أن لا بديل له في لبنان، وأن اعتداله سلاحُه وسلاحُهم وسلاح الجميع، وأن العهد عهده بإجماع سياسي شاء من شاء وأبى من أبى.