من دون أي تنسيق مسبق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فجّر وزير الداخلية والبلديات قنبلته خلال إحتفال عيد قوى الأمن الداخلي، مطالباً بإعادة العمل بأحكام الإعدام لجرائم القتل المتعمّد.

من دون التنسيق مع رئيس الجمهورية، لأن المشنوق الذي كان يمثل الرئيس عون في الإحتفال المذكور، أنهى الكلمة الرئاسية المكتوبة وأعلن نهايتها ثم انتقل الى الكلام بصفته كوزير للداخلية عن الإعدام والعقول المتفلتة والمواضيع الأخرى. ولأن تنفيذ أي حكم صادر بالإعدام يحتاج الى مرسوم يوقّعه وزير العدل ​سليم جريصاتي​ (المحسوب اليوم على رئيس الجمهورية) ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس الجمهورية، يبقى كلام المشنوق بعيداً كل البعد عن آليات التنفيذ، ما دام التنسيق مع رئيس الدولة حياله غير قائم. حتى هذه اللحظة، لم يتناول رئيس الجمهورية في خطاباته اليومية مسألة تنفيذ أحكام الإعدام التي لم تكن مطروحة أساساً قبل كلام المشنوق، ولكن، من يعرف "الجنرال" ميشال عون جيداً، يتأكد بما لا يقبل الشك أنه لا يمكن أن يوقع حكم الإعدام بحق موقوف، نظراً الى موقفه المبدئي الرافض للإعدام، ونظراً الى إحترامه المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقّع عليها لبنان وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

يوجد في لبنان حاليًا 57 شخصًا صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، لكن القضية محط سجال سياسي ديني ووطني، منذ شباط من العام 2004 يوم نفذ آخر حكم بالإعدام في سجن رومية المركزي بحق ثلاثة محكومين، إثنان أعدما رمياً بالرصاص والثالث شنقاً. منذ ذلك التاريخ، يتمنَّع وزراء العدل عن توقيع مراسيم تنفيذ الإعدام، علماً أن لبنان ومنذ عهد الرئيس بشاره الخوري وحتى نهاية عهد الرئيس الأسبق إميل لحود شهد تنفيذ 53 حكماً بالإعدام، بينهم 14 حكماً خلال ولاية الرئيس الراحل الياس الهراوي أي بين عامي 1994 و1998.

إذاً عقوبة الإعدام في لبنان، واردة في قانون العقوبات الصادر في العام 1943 على أن تشمل بحسب النص، الجرائم الخطرة، وفي القانون رقم 302/1994 الذي أنزل عقوبة الإعدام في القتل المتعمّد والدافع السياسي، وبمن يقتل إنسانًا قصدًا ومنع منح فاعل الجريمة الأسباب المخففة. لكن هذا القانون ألغي بالقانون الرقم 338/2001، وأعيد العمل بالمادتين 547 و548 عقوبات وهما تعاقبان على القتل القصدي بالأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة، وليس بالإعدام.

إذاً الإعدام هو من بين أكثر المواضيع الخلافيّة بين الأفرقاء السياسيين، وهو أيضاً موضوع سجال بين الأديان والطوائف، لذلك، ليس بالسهولة التي تحدث عنها المشنوق يصل الأمر الى تطبيقه وتعليق المشانق، كل ذلك من دون أن ننسى العرف القائل بضرورة تطبيق المناصفة حتى في الإعدامات، أي قاعدة الـ بـ مكرر، ما يعني أن تنفيذ حكم الإعدام بحق محكوم مسلم، يجب أن يترافق مع تنفيذ الإعدام بحق محكوم مسيحي وإلا لا ينفّذ الإعدام في الأساس.