لا أُحِبُّ الرُّدُوْدَ وَلَكِن؟

يَسْتفزُّوْنَكَ لإِخْراجِ أَسْوأ ما عِنْدَك...

بين إِنتظارٍ بَلَهْفَةٍ، وَقلقٍ مُتَوَقَّعٍ من مفاجأةٍ؛ رُحنا نترقَّبُ إطلالةَ أخِيْنا الشيخ علي قدور على شاشة "France 24" بتاريخ 1 حزيران الجاري في حلقةٍ من برنامج "في فلك الممنوع" للمذيعة المتألقة "ميسلون نصار" التي عرَّفتْ عَنْ برنامجها على صفحته على الفيسبوك أنَّهُ: "فسحة لكل الضيوف كي يتحدثوا عن آرائهم واختلافهم من دون ضوابطٍ ــ غير الضوابط المهنية الصرفة ـ من دون خوف من الرقابة".

وتابعنا الحلقة بتركيزٍ، فراحتْ تُقِيْمنا بتهمةٍ، وتُقْعِدُنا على أُخرى "لا يسعنا الردُّ عليها هنا".

تُهَمٌ بالمَجَّانِ، تُقْذَفُ على الهوَاءِ، ونريدُ الجوابَ الآن، ولكن انتبهوا: من بابِ التساؤُلِ، والجواب بعد فاصل الإعلان، ولا جواب. وكلُّ تهمةٍ حَقُّها الرَدُّ عليها بكتاب...

فتراوحتْ مشاعرنا بين إعجابٍ وإحباطٍ وَإشمئزازٍ.

بين إعجابٍ بطلاقة شيخنا الكريم علي قدور وإجاباته الهادئة المُفْحِمة.

وإحباطٍ ثلاثيِّ الأبعاد... وإشمئزازٍ من إستطلاعاتِ الشارع العربي.

فإعجابنا بالشيخ المعني الأوَّلِ بالموضوع، ليس من باب العصبية، وإنما من باب الواقعية، وكل منصفٍ تابعَ، لا بُدَّ وأن يشهد له بالتمكن والقدرة على تفنيد الإجابات، برغم الحذف المتعمد لنقاطٍ مهمة من حديثه: اِبْتِدَاءً مِنْ تهنئته الإفتتاحية للمسلمين عامة بالشهر الكريم، وردّه على تهمة تخطئتنا لجبريل(ع)، وإيضاحه لمصطلحاتٍ مهمَّةٍ بقيت عالقةٍ تنشد الإيضاح، منها: تعريف البابية، والنظرة إلى أمير المؤمنين(ع)، والألفاظ المستخدمة في المديح كالشمس والقمر والنجوم، وغيرها التي تدخل في باب تعظيم قدر الممدوح، وليس من باب حلوله بها.

والثلاثيةُ المحبطةُ توزَّعتْ إتجاهاتها بين: نِصفِ مهنيةٍ للمذيعة، وجهلٍ تامٍّ من مؤرخٍ تطوع للكتابة عن العلويين وهو يضيع باسم الإمام العاشر فضلاً عن أبيه وجَدِّهِ (عليهمُ السلامُ)، وإمامٍ متخصص في الفقه الإسلامي ومؤلف كتاب "الإسلام ضد التطرف" ما لبث إلاَّ أن تطرَّفَ بعد إعتدالهِ الإبتدائي...

فالمذيعة التي فعلاً شعرنا بتعاطفٍ ما منها تجاه العلويين، عندما ركزَّتْ بشكلٍ ملحوظٍ على مظلوميتنا، لكنها ارتطمت بوحلتها من حيث لا تشعر، فلا يجوز لها بعد أن جعلت شعار برنامجها "الضوابط المهنيّة الصرفة" أن تتجاهل علينا وعلى المشاهدين، بعد إستطلاع آراء الشارع العربي الجاهل تماماً بكل أعلامِ العلويين قديماً أو حديثاً: عدَمَ التذكير بهم.

جاءتنا فقط بكل إساءة وطالبت شيخنا الكريم بالإجابة عليها، وقاطعته مراراً ولم تفسح له المجال.

شيءٌ فظيعٌ لا أجد تفسيراً له: برنامجٌ عن العلويين لا يتناول ذكر أعلامهم ومؤلفاتهم، ناسبةً ذلكَ لنقصٍ فينا: أَنَّنَا لا نتكلم عن أنفسنا، وأن الباطنية والسرية هي الصورة النمطية عنَّا.

فكان جواب شيخنا: نحن نتكلم دوماً، ولكن لا حياة لمن تُنادي.

هي بالمبدأ تُعِدُّ جيداً وتحضِّر مادتها، ومن البديهي أنها أجرت بحثاً على محركات النت السريعة، والنتيجة التي نقف أمامها الآن: إما أنها نست أو تناست ذكر أعلامنا، أو أنَّ محركات البحث لديها مُعطَّلة، ولسنا هنا بصدد ذكر أعلامنا ومؤلفاتهم:

إذا فَعَل الفتى ما عنه يَنهى فمن جِهتَين، لا جهةٍ، أساءَ

والمؤرخ والملحق الثقافي في السفارة اللبنانية في باريس (السابق ربما)، الحائز على جائزة أكاديمية علوم ما وراء البحار، الباحث الدكتور عبد الله نعمان الذي دسَّ السم المعسول بقوله:

هناك غموض، كما سائر الطوائف. انتسبوا في البداية إلى محمد بن نصير، ولهذا السبب كانوا يدعون النصيريون: أحد تلاميذ الإمام العاشر، عفواً الحادي عشر الهادي؛ ولكنه تمرد عليه، وفضَّل أن ينتسب إلى الإمام الثاني عشر العسكري كان اسمه العسكري، والأهم من ذلك أنه: إِعْتَبَرَ بفترة أنَّهُ هو كذلك أصبح نبيا..

وكل هذا الكلام الذي أدلى به لا يستقيم له دليل، ولا يقوم به برهان، لأن ما بُني على باطلٍ فهو باطل، فليحفظ بدايةً تسلسل أئمتنا ثُمَّ فليناقشنا في تاريخنا.

ويحضرني قولٌ يليقُ به للشاعر العلوي الكبير المرحوم حامد حسن:

يروي عن "الحسنَ بْنِ بنتِ مُحَمَّدٍ" سَنَد الحَدِيْثِ إِلَى الإمامِ العاشرِ؟

وأما "عبد العالي مأمون": مدير دار الثقافة الإسلامية بباريس الذي يدعو إلى"ضرورة إصلاح عالمي للفكر الإسلامي"، فصدقاً لا أعرف ماذا أقول فيه؟

فبدأ بدايةً جيدةً، ثُمَّ كشفَ عن حقدٍ دفينٍ..

فقد قسم رأي أهل السنة الكرام في الإعتقادات التي تُخالفُها إلى قسمين: علماء متشددون ينظرون إلى تفاصيل الإعتقادات: يخرج من ملة الإسلام. والأغلبية المعتدلة تسأل عن العقيدة الإجمالية...

وبالرغم من أنه مالَ إلى الرأي الثاني المعتدل، لكنَّ الحقد والتحامل كانا ظاهرين عليه، كلما ذُكِرتْ كلمة شيعةٍ اِنْتَفَضَ حَتَّى اِحْمَرَّتْ عيناهُ، فتناولها برفضٍ مُستنكرٍ: رافضة إيران والعراق، وصحَّ فيه قول أمير الكلامِ علي (ع): ما أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيئَاً إلاّ ظَهَرَ فِي فَلَتاتِ لِسانِهِ وَصَفَحاتِ وَجِهِه.

أما إشمئزازنا الذي وصل بنا حدَّ القرف من إستطلاعات رأي الشارع العربي عن العلويين: فهذه عينة من آرائهم مصحوباً بردِّنا بين هلالين: مسلمون ولكنهم انحرفوا عن مسار الإمام علي عندما حصلت المشكلة في معركة صفين تقريباً (يعني سنة 37 هـ، أجزمُ هنا أن هذه التهمة لم تخطر حتى على إبليسَ رُبَّما...)، المشهور فيهم فقط الفنان فريد الأطرش (من الطائفة الدرزية الكريمة)، الناس محتارة فيهم (يا سلام، وكل يوم مجزرة بحقهم...)، ديانتهم تختلف عن ديانتا شَبَهَ المسيحيين (هنا ضعتُ أنا شخصياً)، بِـ(بيروت) لا نعرف شيئًا عنهم (طبعاً، ليس أنت فقط يا عزيزي، حتى الدولة اللبنانية لا أظنها سمعت، فيقتل هذا الكلامُ طُمُوحَنَا الذي عَبَّرَ عنه شاعرنا العلوي الكبير المرحوم "أحمد علي حسن، عندما غنَّى:

لُبنانُ، يا بَلَدَ الطُّمُوْحِ المُرْتَجى وَمَنَارَةَ الأحرارِ ما بَيْنَ المَلا.

يخطر في فكري قياديي الثورة السورية بأيام الفرنسيين كانوا علويين (ولكن نسيت القائلةُ: المجاهد السوري الأول العلوي الكبير الشيخ صالح العلي(قده).

متهددون من داعش (في ظل هذه الحملة الكونية وهذه التغطية اليومية، وما زالوا لا يعرفون عنا إلا خرافاتهم... فما بالك ما فعلوا بنا من معركة صفين حتى اليوم حسب زعمهم؟).

محبة خاصة للإمام علي (دون ترضٍّ عليه... كيف لو قرأوا قول شاعرنا المكزون (قده):

أُحبُّك حُبَّاً جاوزَ الحُبَّ بعضُهُ وفي طُوْلِ عمري: لَيْسَ يمكنُ عرْضُهُ

وسؤال المذيعة: في بداية القرن الواحد والعشرين نسأل: "ألا يجب أن يرى المسلمون في تنوع مذاهبهم عظمة وثراء وتجسداً للديمقراطية في عصر الدول الحديثة؟. ولأن الجهل هو عدو التعايش، ماذا يعرف الشارع العربي عن الطائفة العلوية"؟.

جاءَ الجوابُ مُصِيباً في تقريرها عندما أنهت: "العلويون أقليَّةٌ في مرمى التكفيريين"...

هذه هي أكثر حقيقةٍ صادقةٍ خرجتُ بها شخصياً من كل هذا البرنامجِ مُضافاً إلى كلامِ شيخنا الكريم

وفي الخلاصة

عندما تغيب الفروق الإطلاعية بين مثقفٍ وجاهلٍ، فيتساويانِ في المنطق والحكم، عندها يحق لنا أن نضحكَ من صميم قلبنا، لأنَّ شَرَّ البَلِيَّةِ ما يُضْحِكُ.

ونختم بِكُلِّ إقتناعٍ بحكم الضيفِ المُتناقضِ أستاذ الفقه "عبد العالي مأمون" والذي تفضَّل به عند أول سؤالٍ له، ونتمنى منه ونشجعه أن يتابع في دعوته الإصلاحية للفكر الإسلامي.

قال قبل أن يَنْقَلِبَ، ونحن نقبل هذا منه: "فالأصل فيهم أنهم مسلمون، إلا أننا نختلف معهم، والواجب كنحن أغلبية في العالم الإسلامي أن نتحاور معهم، وأن نتعايش معهم وأن نحتضنهم وأن نقدم لهم كل الأمن والأمان".

فليبقَ على هذا الإعتدال، وليبتعد عن القيل والقال.

وأختمُ مُسْتشهداً بشاعرنا المرحوم حامد حسن: أنا لستُ بين الحاقدين، وإِنَّما أخشى ضياعَ بني أبي وَضياعي وسلامٌ على طيبِ الكلامِ.

shadimerhi161@gmail.com

للمتابعة على التويتر: shadimer3i@

الفيسبوك: الشيخ شادي عبده مرعي