الداخل الى مدينة جزين هذه الأيام غيرُ الخارج منها. على طول الطريق من صيدا الى عمق المدينة مرورًا بقرى القضاء تخفت المظاهر الانتخابية رغم أن الحماوة الداخلية تشي بخلاف ذلك...

استثنائيًا خلعت المدينة عنها في الساعات القليلة الماضية الشعارات الانتخابية لتستبدلها بيافطات وفاء الى نائبها السابق، الوفي الصامت، سمير عازار الذي غادرها فأبكى ناسها ممن يؤيدونه في السياسة وممن يخاصمونه.

حديث صالونات

تعبر أيامٌ. تنفض جزين عنها عباءة الحزن ويعود الهمس الانتخابي الى كل بيتٍ. هذا سيترشّح، ذاك لن يفلح، فلان ابن فلان أقام عشاءً... أشبه بحديث صالونات يتحول الجوّ الانتخابي في منطقة لا يمكن الاستهتار بكمّ المرشحين عن مقاعدها الثلاثة. لا يهتمّ الجزينيون، ناسًا ومرشحين، الى طبيعة القانون الانتخابي الذي سيظفر في نهاية المطاف، ففي حالة “الستين” القرار لهم، وفي حالة “النسبي” هم أكثرية على سكان مدينة صيدا وبالتالي لا بدّ من التحكّم بهويات نوابهم الثلاثة عن مقعديهم المارونيّين ومقعدهم الكاثوليكي.

أسماء شبه ثابتة

تتلاعب بورصة المرشحين الجزينيين بحذر هذه الأيام. لدى الناس الكثير ليقولوه، أما الصورة النهائية فمتروكة لعنصرين أساسيّين: ما تقرره الثنائية المسيحية على مستوى توزيع المقاعد في ما بينها مع أفضلية للتيار الوطني الحر في طبيعة الحال؛ وما يقرره قانون الانتخاب من فرز وأخذ وردٍّ ومفاوضات لا سيما أن دائرة جزين تنضم الى مدينة صيدا وشرحبيلها وحارتها وفق القانون النسبي الخاضع للتشريح. ورغم فورة المرشحين المنظورين وغير المنظورين، تبقى أسماء محددة غدا ترشُّحها أشبه بمسلماتٍ لا نقاش حولها إما لأنها مفروضة من الرابية أو من القصر الجمهوري، وإما لأنها أعلنت ترشُّحها منذ فترةٍ طويلة وفرضت نفسها اسمًا وصورةً حفظهما الجزينيون عن ظهر قلب.

أربعة موارنة جديون

بالنسبة الى المقعدين المارونيَّين، يبدو وكأن هناك تسليمًا بأنهما من حصة التيار الوطني وخارج نطاق البحث والتفاوض مع الشريك المعرابي. قد تكون الأسماء أو تلك التي تنتظر تكريس القانون لتعلن ترشيحها

بالعشرات، ولكنّ الذاكرة الجزينية القريبة تفرز حتى الساعة أربعة مرشحين جديين أقله على مستوى النوايا السياسية والفردية. أمل أبو زيد، ابن مليخ، الذي أثبت خلال فترة قصيرة قدرته على استقطاب محبة الجزينيين مغناطيسيًا؛ زرع بذور الدينامية في منطقة قد تبدو لمن يجهلها نائية. يطّرد حراك الرجل ورعايته لنشاطاتٍ رياضية واجتماعية وموسيقية، ويبرز حضوره في كلّ مناسبةٍ بحيث يحوز شبه إجماع على حسن خلقه وهدوئه وقربه من الناس ووعيه لأهمية النزول على الأرض والتماس مع الجميع. يومًا بعد آخر يكرّس الرجل وجوده ليس فقط في القضاء بل أيضًا في المدينة التي هو من خارجها ومع ذلك يستشعر الجزينيون بأنه منها. حتى الساعة يبدو أبو زيد المرشّح الثابت بالنسبة الى الرابية ركونًا الى كل ما سبق ومردَفًا اليها وعيه السياسي وجودة فكره واعتدال خطابه.

لن يكون سهلاً إسقاطه

زياد أسود. ليس ابن البارحة أو اليوم. حفر الشاب كثيرًا في جزين ليلقى اليوم. متى عنّ على بال الرابية إسقاط ورقته كما يُهمس في الكواليس السياسية، فلن تكون مهمة سهلة بعدما كوّن في المدينة وقراها قاعدة لا يُستهان بها. بسلاسةٍ يتصرّف الرجل على أنه عضوٌ ثابتٌ في تكتل التغيير والإصلاح، وعلى هذا الأساس يشارك في كل احتفال بصفته نائبًا عن المنطقة أولًا وعضوًا في التكتّل ثانيًا. حتى الساعة تكثر التساؤلات المتعلقة بتبني ترشيحه من الرابية وتبقى كلها في إطار الاستفهام غير المعروفة إجاباته المباشرة. ولكنّ بعض التدقيق في مشهدية المرشحين قد يعكس جوابًا أوليًا عن وضع أسود الانتخابي. يكفي أن تزداد زيارات مستشار رئيس الجمهورية الإعلامي جان عزيز الى جزين ليفهم الناس أنه مشروع نائب مزكّى من الرئيس مباشرة. وفي حال صدُق الأمر، تتكرّس نظرية استبعاد أسود عن المقعد الماروني الثاني. يبدو عزيز حتى الساعة شديد الحركة من دون إعلان مباشر عن ترشيحه، وفي هذا الإطار علمت “البلد” أن الرئيس ميشال عون تمنى عليه شخصيًا أن يزيد وتيرة نشاطه في جزين تمهيدًا لترشُّحه عنها. ليس جان عزيز وافدًا الى عالم السياسة وهو ابن البيت العزيزي العريق وحامل إرث الجد واسمه. تجده في كل مكان، ينظم عشاءً في مقهى جزيني معروف، يشارك في نشاط اجتماعي وآخر ديني من قبيل استقبال ذخائر القديس أنطونيوس ممثلًا رئيس الجمهورية، يجالس الناس والأصدقاء ويجعل من جزين متنفسًا شبه أسبوعي له في كل “ويك أند".

تتعقّد كاثوليكيًا...

الى هؤلاء الثلاثة ينضمّ روني عون. الشاب الذي عجّت طريق صيدا جزين بصوره في فترةٍ من الفترات قبل أن تخفّ وتيرة انتشارها في غمرة الجمود الانتخابي. يستعد الرجل ليستأنف نشاطه اليوم تحت الراية البرتقالية أيضًا من دون أن يضمن تبني ترشيحه من عدمه. تتضح الصورة مارونيًا فتتعقد كاثوليكيًا. ثلاثة أسماء بارزة قد ينضم اليها آخرون في الأيام القليلة المقبلة سيكون قانون الانتخاب كفيلًا بفرزهم. عجاج حداد، ابن روم، القواتي الراسخ منذ زمن والمواظب على تعبيد طريقه الى القبة البرلمانية مع إصرار قواتيي

المنطقة على أن يكونوا ممثلين ركونًا الى تفاهم معراب. حتى الساعة لم يضمن الرجل أن يكون هو مرشّح الثنائية التي قد تجد ضالتها في دائرة أخرى، ومع ذلك تبقى آماله حيّة بأن يتمسّك الدكتور سمير جعجع بمقعدٍ جزيني لن يكون له سواه في الجنوب.

بركة القصر...

على الضفة الأخرى شابٌ يجيد العمل والتحرّك. جاد صوايا الوافد الى عالم السياسة يبدو على أرض الواقع الأكثر نشاطًا. كفرحونة مقرّ إقامته وجزين كلها موطن عمله وقرى جبل الريحان شاهدة على بصماته. يبدو ترشُّحه شديد الجدّية وينتظر البركة من القصر الجمهوري الذي يُعتبر قريبًا من سيّده. حظوظه لا تقل أبدًا عمّن عداه خصوصًا أن استطلاعاتٍ جمة وآخرها منذ أيام أظهرت تفوّقه في غير مناسبة كاثوليكيًا وقبوله من الشارع الجزيني على اختلاف مشاربه. ويبقى سليم الخوري ابن البيت الذي ذاق طعم النيابة والذي يريد أن يتذوقه مرةً أخرى تحت العباءة البرتقالية التي من خلالها تأهل الى المرحلة الأخيرة في انتخابات التيار الوطني الحرّ الداخلية. هو الآخر بدأت ديناميته تتظهّر في المنطقة برمتها في انتظار الكلمة الفصل التي لن يسهل على الرابية النطق بها أقله بالنسبة الى المقعد الكاثوليكي اليتيم. الى هؤلاء كان من المفترض أن ينضمّ العقيد جوزف سكاف لو لم يرحل في ليلةٍ ظلماء لأسبابٍ لم تنجلِ بعد.

الثابت... وجه جديد

هي جزين. لن تكون مشهديتها الانتخابية سهلةً مقارنة بالدوائر الأخرى خصوصًا أن تفاهم معراب قد يلحظها وربما لا. أيًا يكن، يبقى الثابت أن وجهًا جديدًا على الأقل سيخترق الساحة الجزينية في أي انتخاباتٍ مقبلة وعلى أيّ قانون رست.