بعد أشهر طويلة من الأخذ والرد، نجحت القوى السياسية الأساسية في البلاد في الإتفاق على مشروع قانون جديد للإنتخابات النيابية يعتمد النظام النسبي على أساس 15 دائرة، لكن أسئلة عدّة لا تزال تطرح حوله، لا سيما لناحية الشوائب التي تعتريه.

على الرغم من كل الأصوات المعترضة أو المتحفظة، هناك شبه إجماع على أن ما تحقق إنجاز كبير على مستوى الخروج من نظام الإقتراع الأكثري، خصوصاً أن الخيارات الأخرى لم تكن أفضل حال، لكن من هو المتضرر وأين من المتوقع أن تحصل المعارك الكبرى؟

لا يلبي الطموحات

في هذا السياق، يؤكد مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات ​عبدو سعد​، في حديث لـ"النشرة"، "أن القانون المتفق عليه لا يلبي الطموحات على الإطلاق وهو قانون سيّء، لكنه يشير إلى أن الإيجابية الوحيدة هي أنه يحررنا من النظام الأكثري لكن لم يحررنا من طغيان الأكثريات".

ويوضح سعد أن النظام النسبي وجد في منتصف القرن التاسع عشر بهدف حفظ وصون حقوق كل الأقليات، إلا أن هذا القانون لا يحفظ حقوقها وهي ليست بالضرورة دينيّة، ويلفت إلى أن المتضررين من هذا القانون هم كل "المنتفخين" في أحجامهم لأنه يعطي الأحجام الطبيعية، إلا أنه يوجّه تحية إلى تيار "المستقبل" على موقفه، ويشير إلى أن التيار لو بقي قانون الستين كان سيكون أسوأ عليه، إلا أنه قبل بكل الصيغ وكان مرناً في النقاش.

من جانبه، يشير الباحث في الدولية للمعلومات ​محمد شمس الدين​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هذا القانون ليس الأمثل لكن ضمن التعقيدات الطائفية والسياسية اللبنانية قد يكون الأفضل، ويوضح أنه في النظام الأكثري هناك إجحاف وفي النظام النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة أو 6 دوائر هناك إجحاف للمسيحيين، ومن هنا جاء إقتراح إعتماد لبنان 15 دائرة.

بالنسبة إلى شمس الدين، الأمر المهم هو الإنتقال إلى النظام النسبي، في حين أن الصوت التفضيلي وتقسيم الدوائر طائفياً قد يكون مفهوماً بسبب حساسية الوضع اللبناني، ويعتبر أن المتضرر الأساسي هو رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، بالإضافة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، لكنه يشير إلى أن الأخير على ما يبدو يعتبر البقاء في رئاسة الحكومة أهم من عدد النواب الذي سيحصل عليه تياره السياسي، ويضيف: "المفارقة هي أن أغلب القوى السياسية عند البحث كانت تصر على رفض أي قانون لا يوافق عليه جنبلاط، إلا أنها اليوم ذهبت إلى خيار هو يعارضه".

معارك بأغلب الدوائر

بالإنتقال إلى السؤال الأساسي عن الدوائر التي من الممكن أن تشهد معارك من العيار الثقيل بين القوى السياسية المختلفة، يعتبر مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات أن أغلب الدوائر الإنتخابية سيكون فيها منافسة، ويتوقع أن يكون هناك تمثيلاً سياسياً جديداً في المجلس المقبل لكن ليس بالشكل المرتجى.

وفي حين يعتبر أن البطاقة الممغنطة بالشكل الذي يتم فيه الحديث عنها، لناحية إمكانية تصويت الناخبين في أماكن سكنهم هو أمر ممتاز، يرى أن الصوت التفضيلي في القضاء لا معنى له لأن من كان يطالب بالحرص على تمثيل المسيحيين أهملهم في عدة مناطق مثل بنت جبيل والمنية والضنية وصور.

بالنسبة إلى الدوائر التي ستشهد منافسة كبيرة، يشدّد شمس الدين على أن الأمر مرهون بالتحالفات التي ستعقد، ويرى أن النائب جنبلاط قد يعوض ما يعتبره "إجحافاً" بحقه من خلال تحالفاته في دائرة عالية والشوف، إلا أنه يشير بشكل أساسي إلى معارك حامية في دوائر جزين وصيدا، زحلة، البقاع الغربي وراشيا، بشري البترون والكورة وزغرتا، بيروت الثانية، جبيل وكسروان، بعبدا، المتن الشمالي، في حين أن المنافسة في بيروت الأولى شبه محسومة بسبب التحالف بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" وحزب "الطاشناق"، بينما ستغيب المعركة عن صور والزهراني، النبطية، مرجعيون، حاصبيا، بنت جبيل، بعلبك الهرمل، وستكون عادية في دائرتي عكار وطرابلس المنية الضنية.

بالنسبة إلى الإصلاحات المطروحة، يؤكد شمس الدين على أهمية اللوائح المعدّة سلفاً والبطاقة الممغنطة، إلا أنه يفضل إجراء الإنتخابات في موعد قريب على إعتماد الثانية في حال كان تطبيقها يحتاج إلى وقت لأن مصلحة البلاد هي إجراء إنتخابات في أقرب وقت ممكن.

في المحصّلة، نجحت القوى السياسية في إخراج البلاد من دائرة الستين أو التمديد أو الفراغ، عبر الإتفاق على مشروع قانون إنتخابي جديد، في حين يبقى موعد الإنتخابات رهن الإتفاق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري.