الإنسان بطبعه يرتاب من كلِّ ما هو جديد ويخاف من كلِّ ما من شأنه أن يُحدث تغييراً، هذا على المستوى الشخصي، فكيف على المستوى العام؟

قوانين الإنتخابات النيابية في لبنان هي من أكثر القضايا المثيرة للجدل خصوصاً أنَّها كالإتفاقات والمعاهدات، يضعها المنتصرون، أما المنهزمون فإما أن يكونوا في السجون أو في المنفى أو في القبور أو في أحسن أحوالهم، في منازلهم.

في لبنان تعاقب المنتصرون والمنهزمون، فمَن هو منتصرٌ اليوم كان مهزوماً في ما مضى، ومَن هو مهزومٌ اليوم كان منتصراً في وقت ما، وإذا ما بقي المنتصرون والمنهزمون يتناوبون على السياسة، فإنَّ البلد لن يشهد استقراراً، إذاً هل من حل؟

بالتأكيد، وهذا الحل إسمه التسوية.

لماذا التسوية وليس الحسم؟

لأنَّ الصراعات في لبنان كانت تأخذ بعداً طائفياً فتبدو وكأنَّ الطوائف تتقاتل، وعندما تضع أيُّ حرب أوزارها، يبدو وكأنه هناك انتصار لطائفة على طائفة، وهذا الإنتصار الوهمي يحمل في طياته مأزقاً للمنتصر، بمعنى:

ماذا يفعل في هذا الإنتصار؟

أين يصرفه وكيف يسيِّله إلى مكتسبات؟

جميع الطوائف مرَّت في حالة نشوة الإنتصار وذاقت مُرَّ الهزيمة، فلا المنتصر تمكَّن من استثمار انتصاره ولا المهزوم إستطاع إلغاءه أو شطبه من الحياة السياسية، ودائماً كانت الحروب اللبنانية تنتهي بتسوية لأنَّ أي فرض للإنتصار كان يحمل في طياته بذور حرب جديدة.

استراتيجية التسوية هي الوليدة الشرعية لاستراتيجية الإعتدال، وصاحب هذه الإستراتيجية والمؤتمن عليها هو رئيس الحكومة ​سعد الحريري​. فبعد إقرار قانون الإنتخابات القائم على النسبية، بدأ الجميع يضربون أخماساً بأسداس ليستكشفوا ما ربحوا وما خسروا، وحده الرئيس سعد الحريري قال إنَّه ربح لأنَّ الوطن ربح. وهنا لا بد من التسجيل أنَّ الزعيم الشاب قدم سلسلة تسهيلات للتوصل إلى القانون، فهو الوحيد الذي تجرأ على الموافقة على نقل مقعد الأقليات من بيروت الثانية إلى بيروت الأولى، مع علمه الأكيد أنَّ هذا النقل سيجعله يخسر نائباً من كتلته النيابية، وكان بإمكانه التمسك بهذا المقعد في ظلِّ تمسّك جميع الأقطاب بالمقاعد حيث هي، خصوصاً أنَّ مقعد الأقليات الذي تم نقله هو من المقاعد التاريخية منذ قانون الستين وليس من المقاعد المستحدثة منذ ما بعد الطائف ومنذ رفع عدد أعضاء المجلس النيابي من 108 نواب إلى 128 نائباً.

وبسبب هذا الإنجاز الذي يدل على ترفُّع وعلى كُبر، سمح الرئيس الحريري لنفسه أن يقول:

نعم أنجزنا قانون الإنتخاب ولكن مع الجميع، فأنا لست ممن يدعون العمل وحدهم، كلا الجميع عمل. ربما كانت هناك تحديات كبيرة ولكن الجميع كان إيحابياً.

ولأنَّ القانون ليس هدفاً في حدِّ ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق تقدم اللبنانيين واستقرارهم ورفاهيتهم، فقد أكد الرئيس الحريري إنَّ الأهم بالنسبة إليّ الآن هو الإقتصاد ولقمة العيش وفرص العمل، وهذا ما يحتاجه اللبناني في نهاية المطاف. لذلك علينا أن نعمل على الإقتصاد اللبناني. نحن نريد أن نعيد البحبوحة إلى البلد.