"بعدما تناوبت علينا النوائب، وأصبحت أرض العراق والشام جدباء للجهاد ولا تستحق التضحيات، أمرنا بالهجرة الى أفريقيا حيث أعدّ لنا إخوانكم في سرت من ليبيا مقرّاً لدولتكم الإسلامية الباقية، فأعدّوا العدّة للهجرة إليها قانعين موقنين أنّ النصر قد كتب لنا هناك، ومنها ننطلق لبناء الدولة الإسلامية التي ستصل الى كلّ بقعةٍ في أرض الله".

هذا ما قرأناه في 13 شعبان/نيسان 1438 هجرية/2017 ميلادية من نينوى نداءً الى المجاهدين لنقل دولة الخلافة الى أفريقيا.

ماذا سيفعل هؤلاء هناك؟ سينشرون"ديمقراطية" الذبح بحدّ السيف. ومن سرت الى أوروبا وبلاد الله الواسعة.

في 3/7/2007 ، حلّل أيمن الظواهري الرجل الثاني لتنظيم القاعدة دم الديمقراطية بأنّ قال :

" اسرائيل تقصفكم في صدوركم، وخناجر الداخل تطعنكم في ظهوركم... وتنازلتم فارتضيتم الديمقراطية بدلاً من الشريعة، ثمّ ارتضيتم الحكومة بدلاً من الديمقراطية.. بديل أن تحكموا في كلّ بقعة من أرض الله". كان الرجل ينتظر الثمرة أو دولة الخلافة التي أورثت الخرائب المتنقلة هناك.

لم تأخذ معضلة إشاعة الديمقراطية ، في أية حقبة من تاريخ الشرق، هذا الحجم الهائل من الكوارث والإنهيارات الكبرى،. لماذا؟

لأنّها، على الأرجح، قنية غير قابلة للإستيراد، تلحّف بها الغرب إثر سقوط البرجين، وقرع التحالف الكبير أبواب الشرق طارداً بغداد من الكويت أوّلاً، ومسقطاً بعد عشر العراق (دولة العباسيين سابقاً) لتكرّ الفصول الدامية نحو ربيع عفواً خرائب العرب.

أرأيتم حال الديمقراطية والدول أين صارت؟

لنصحّح أكاديمياً أي بسيف العقل.

لم تعد الديمقراطية مصطلحاً مستقلاًّ، يمكن استعماله، في الأحاديث والنصوص والكوارث الدينية، من دون صفات تفسّره، مثل الديمقراطية التوافقية والديمقراطية الشعبية والديمقراطية المسلّحة أو ديمقراطية

الطوائف وغيرها من الصفات المرتجلة الجديدة التي تسلخ عن المصطلح، بحكم تراكم التجارب والخبرات الفقيرة ، معانيه الأصيلة. وينتج عن هذه الإستعمالات خلط الديمقراطية بمفاهيم الحرية والقوة والسلطة والحق والسيادة والإستقلال والشرق والغرب والمسيحية والإسلام.

هكذا يمكننا اعتبار الديمقراطية في بلادنا، ديموقراطيتين: واحدة نظرية مستوردة شائعة في المدارس والجمعيات والأنشطة الجديدة المنضوية تحت صفة المجتمعات المدنية مهّدت ورافقت شباب الربيع العربي. أمّا الثانية فديمقراطية فردية خاصة، يظهر الواحد فيها حرّاً، وديمقراطياً ومتواضعاً ليس بحكم الشريعة ولا بحكم الغرب، بل بحكم السلطة والخبرة والحنكة وكذلك الثقافة العالية وهذه مسائل نادرة.

للإنصاف العلمي ليست الديمقراطية غربيّة ولا علاقة لها بالدول الدينية.

لنعد الى النبع.

لو أزلنا القشرة التاريخية عن اسبارطة القديمة، لوجدنا أنفسنا أمام حضارة وصلت ذروتها بين 1650-1500 ق.م. قبل أن تنهار في العام 1450 ق.م. حيث عرف اليونانيون قروناً أربع من الظلمات، وغدت بلادهم مرتعاً لمجموعة من المدن المتناحرة التي جبلت بالصراعات الدموية والحروب قبل أن تخرج مجدداً الى السياسة أي Politiké باليونانية، ومعناها إدارة شؤون الناس وأعمالهم. واشتق هذا المصطلح من اسم المدينة Polis لتعمم فكرة الPolitique في اللغات والتجارب الغربية كنهج للحكم في التاريخ، ومنه جاءت كلمة البوليس Police المستعملة في العالم كلّه إشارة الى الشرطة المظهر العملي لمعنى السلطة.

لقد غرقت بلاد اليونان في تاريخها الطويل Monarchie بين الملكية المطلقة والملكية الدستورية. ( Mono تعني الواحد وال Archia تعني السلطة). ثمّ توشّح التاريخ بظاهرة تنحية السلطات العسكرية والسياسية مع الإحتفاظ بدورهم الديني لتؤول السلطة الى مالكي الأراضي والمتمولين الذين فرضوا على المدن نوعاً من الأنظمة الأوليغارشية Oligarchique (ال Oligoi تعني العدد القليل والArchia تعني السلطة)، والمقصود ممارسة السلطة من قبل عدد محدود من الأفراد والعائلات الميسورة، وعدم إشراك الآخرين بها.

هكذا عرفت اسبارطة مجلساً قوامه ثلاثون يونانياً ينتخبون مدى الحياة من بين المواطنين الذين بلغوا الستين لإدارة دفّة الحكم، الأمر الذي استتبع أزمات كبرى وحروباً ضدّ طبقات رفضت تقاسم السلطة. وكان هذا

المعبر الأساس في خلخلة الأوضاع وشيوع الجدلية، ما سهّل من تفكيك القوى عن طريق التماس الحوارية وصولاً الى الشكل الديمقراطي الذي شاع في مدن اليونان بدءاً من القرن السادس ق. م. على مباديء الحرية والمساواة والإعتراف بالآخر. وغدت أثينا مهد المؤسسات الديمقراطية التي يناقش الناس فيها شؤونهم وحقوقهم ومستقبلهم في ال Agora أي الساحات العامة، بحيث تعني الديمقراطية حكم الشعب (ال Dêmo تعني الشعب و kratos تعني حكم). وعرفت هذه المؤسسات بال Ecclesia ومنه اشتقت كلمة Eglise أي الكنيسة في ما بعد، تأسيساً للفكر الديمقراطي المسيحي في أعقاب الفلسفة.

ولدت الديمقراطية الأولى من رحم فنون الإقناع والإحترام حيث الربط المحكم بينها وبين فن الكلام للإنسان قبل سلطات الأديان وتشوّهاتها بالطوائف والمذهبيات والأصوليات بقرون.