الاهتمام السعودي «المفرط» في لبنان منذ ما قبل الاشتباك مع إيران ومراحل الخلاف الذي أسست له «ثورات» الربيع العربي يرجع لمكانة لبنان الإعلامية والسياسية، وهو نفسه الاهتمام الذي يربطها بحلفائها منذ ما قبل اغتيال رفيق الحريري عام 2005. فلبنان لا يشكل بالنسبة للسعودية مركز انطلاق الحملات السياسية الشرق أوسطية وصندوق بريد الرسائل نظراً لتوهج الإعلام والاحداث فيه وصخبها عربياً ودولياً.

موقف المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من قطر والحشد العربي الذي حرصت عليه الرياض، خصوصاً بضمّ مصر لسلسلة المقاطعين يجعل من موقف لبنان بالنسبة إليه نقطة في مرمى الخصم القطري بحال التموضع الرسمي رئيساً وحكومة من الأزمة الراهنة، فتمترس الاعلام اللبناني خلف القضية او في مقدمتها يتكفّل بخلق رأي عام لبناني وعربي قادر على الاصطفاف أكثر لصالح الدولة أحد طرفي الازمة. ومن هنا يدرك الحريري المعني الأول بإطلاق موقف من الازمة الخليجية أهمية موقف لبنان أولاً، ودقة المشهد ثانياً. كما أن تأخر الحريري بإطلاق موقف واضح وصريح من قطر ليس إلا دليلاً على إرباك واضح وقلق من التعاطي المباشر معها، ومن أي «دعسة» ناقصة تفسد كل ما بناه الحريري من ثقة حديثة الولادة مع الحكم السعودي الجديد بعد الخلاف الطويل وإفلاس شركته الكبرى سعودي أوجيه، من دون أن تعوّض عليه المملكة كما كان مأمولاً، والمقربون من الحريري يكرّرون دوماً أن «مرحلة الملك عبدالله ولّت الى غير رجعة»، بما يعود بالفائدة المباشرة والخصوصية التي كان تتمتّع فيها الحيثية الحريرية بالمملكة.

لكن الحريري الصامت عن استهداف قطر استعاض عن ذلك بحملة مبرمجة و«ذكية» من زعيم التيار الازرق بالهجوم المفتعل على حزب الله عبر سلسلة مواقف وبيانات ومقدّمات إخبارية اجتمعت بين كتلة المستقبل ووسائل إعلامه عاونه في ذلك رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يبدو انه يتقاسم «الحيرة» نفسها مع الحريري بشأن دولتين لديهما أفضال وأيادٍ «خيرة» على حزبه ساعدت في تكريس خياره السياسي بالمطلق، فما كان من الثنائي الحريري – جعجع إلا والهجوم على حزب الله من بوابة خطابه الأخير في يوم القدس والذي تحدّث فيه عن استعداد مطلق للحرب وفتح الأجواء والدفاع عن سورية، كما لبنان، في أي حرب «إسرائيلية» يُضاف إليها التحشيد الميداني من الدول الحليفة كافة التي ستشارك مباشرة في أي حرب، كما قال نصرالله.

الحملة على حزب الله بدلاً من قطر من قبل الطرفين تعود إلى شعور الحريري وجعجع بصعوبة قضية الاشتباك السعودي – القطري عليهما، لكنها تصيب بالمبدأ كل حملتهم السابقة على حزب الله باتهامه بإقحام لبنان بما ليس له فيه شأن «ظاهرياً» بتناول تدخله بسورية فكيف بشأن خليجي بعيد وخاص لا دخل للبنان فيه، فكيف يمكن لهما التدخل ونقض خطابات النأي بالنفس أو ضرورة تحييد لبنان التي ثابروا عليها في المرحلة السابقة؟ هذا أولاً أما باقي الأسباب التي تسهّل استهداف حزب الله، كمخرج للطرفين، فهي:

ثانياً: حقيقة تحالف المستقبل والقوات مع التيار الوطني الحر وحاجتهما الانتخابية لعدم تعريض التحالف لهزة بقضية جانبية «لبنانياً»، مثل قطر وبتمسك التيار والرئيس ميشال عون بعدم إقحام لبنان فيها وموقع الحريري الاصعب، لأنه اليوم رئيس الحكومة.

ثالثاً: إن فكرة استعمال لبنان كمنصة للمعارك الإقليمية يخضع فريق حلفاء السعودية وواشنطن لنسبة من التدخّل الأميركي الذي يوفر الحماية لعدم الدخول على ملف «قطر» حتى الساعة، خصوصاً إذا تمّ تحت عنوان أولوية الهجوم على «حزب الله».

رابعاً: كلام امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن فتح الحدود والأجواء، جاء بوقت حرب نفسية أميركية للتصعيد والتهديد، تسببت بإحباط «إسرائيلي»، والأولوية الدائمة هنا هي «اسرائيل» بالنسبة للأميركيين لا السعوديين.

خامساً: حملة الحريري وجعجع على حزب الله والأسباب المعلّلة للرأي العام تخدم معارك التحضير الانتخابية، لأن الحزب طرف يتكفّل بشدّ «العصب» الانتخابي.

سادساً: يخدم التصعيد ضد حزب الله بإحراج التيار الوطني الحر ويستهدف فكرة التوافق بين التيار الوطني وحزب الله على مسائل أساسية. وهو الأمر الذي تنشده السعودية كغاية تعمل على تحقيقها، لأنه يتم تحت عنوان «سيادة لبنان».

سابعاً: التصعيد ضد حزب الله يُرضي السعودية التي تريد من جهة تخديم المعركة المشتركة مع الأميركي و«الإسرائيلي» كأساس وقطر فرع جانبي تستطيع الاستغناء عن لبنان فيها، لكن مع حزب الله تصبح أهمية اللبنانيين أكبر.

وحول إمكانية أن تسبّب مواقف الحريري بتهديد للصيغة التوافقية في البلاد والإنجاز الذي توصلت اليه القوى السياسية وأدّى إلى تبريد الأجواء، إضافة إلى إمكانية أن تتأثر مسألة اعادة تسمية حزب الله للحريري بعد الانتخابات رئيساً للحكومة بالأجواء المتوترة من جديد يجزم مصدر سياسي لـ«البناء» أنه بموضوع الحملة على حزب الله بقضايا خارجية كمواقف الحرب التي اطلقها نصرالله والتي تشكل اصلاً مشاكل خلافية لا تتأثر الصيغة التوافقية مع المستقبل الذي رتب أموره مع حزب الله على الاختلاف بالقضايا الإقليمية سلفاً والتقارب قدر الممكن محلياً. ويضيف المصدر «لن يضع حزب الله فيتو على إعادة تسمية الحريري رئيساً للحكومة مجدداً بعد الانتخابات بسبب خلافات اقليمية مفهومة.. هذا بالتأكيد لن يحصل». وحزب الله يتقبل الخصومة بملف من هذا النوع مع المستقبل بشكل بديهي.