تشير كل المعطيات الواردة من الشمال السوري وبالتحديد من الريف الشمالي لحلب الى اتفاق غير معلن تركي–روسي على تحجيم دور الاكراد في المنطقة، وبالتحديد في عفرين ومحيطها الخاضعان لنفود وحدات الحماية الكردية. فبخلاف مقاطعتي الجزيرة وكوباني والغطاء الأميركي عليهما من منطلق انهما تشكلان منطقة نفوذ واشنطن في الشمال السوري، تم تسليم عفرين منذ أيّار الماضي لموسكو لتصبح منطقة نفوذ روسية. وبالرغم من العلاقات التي نسجها الأكراد مع الروس الا انّهم لا يستبعدون ان يكون هؤلاء اتمّوا صفقة ما مع انقرة انطلاقا من "آستانة" وانسجاما مع اتفاقهما مع طهران على مناطق "خفض التصعيد"، تقضي بقصّ جناحي "​قوات سوريا الديمقراطية​" (قسد) في منطقة غرب نهر الفرات مقابل ان تتولى تركيا قطع رأس "جبهة النصرة" في ادلب.

ولا يبدو ان التطورات الحاصلة على الحدود السورية-التركية وبالتحديد لجهة التعزيزات الكبيرة التي تستقدمها أنقرة استعدادا لمواجهة الأكراد في المنطقة الممتدة من مارع في ريف حلب الشمالي الى دير جمال في ريف عفرين، منفصلة عمّا أعلنه إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، مؤخراً، عن أن أنقرة وموسكو بصدد نشر قوّات في إدلب شمال غربي سوريا، ضمن إطار مذكرة خفض التوتر الموقعة خلال مباحثات آستانة الأخيرة.

واللافت ان تركيا لم تتكبد حتى الساعة عناء اطلاع قادة فصائل المعارضة السورية الذين تدعمهم وينضوون باطار قوات "درع الفرات" على تفاصيل ما تخطط له. ويكتفي هؤلاء بمراقبة وصول التعزيزات الى مناطق سيطرتهم في ريف أعزاز الجنوبي بانتظار التعليمات التركية التي يؤكدون انّها لا تزال "مبهمة" تماما.

ولا تقف "قوات سوريا الديمقراطية" متفرجة على الاستعدادات التركية، اذ أقدمت من جهتها على استقدام تعزيزات الى عفرين وريفها للتصدي لأي هجوم على مناطق سيطرتها. ولا يخفي قياديون في هذه القوات خشيتهم من "تواطؤ روسي مع انقرة مع "غض نظر" أميركي". فهم يعون تماما ان ما يجمعهم اولا وآخرا مع موسكو وواشنطن تقاطع مصالح، لا أكثر ولا أقل.

ولا يستبعد معنيون بالملف ان تؤثر التطورات على جبهة عفرين على مجريات معركة الرقة حيث تواصل "قسد" تقدمها بدعم اميركي. ففيما يبدو ان عرقلة مهمة الاكراد وواشنطن على حد سواء في الرقة، هدف واضح لأنقرة التي لم تستوعب حتى الساعة قرار البيت الابيض تحييدها تماما عن المعركة، لا يمكن استبعاد ان يستخدم الاكراد ورقة الرقة للضغط فيها على الاميركيين في حال تطور الامور في عفرين.

ويبقى موقف واشنطن المتردد وغير الحاسم بما يتعلق بالملف السوري، السبب الابرز لخلط الاوراق الحاصل حاليا على أكثر من جبهة. فطهران اتكأت على هذا الموقف لوصل طريق دمشق–بغداد، فيما يعوّل الروس عليه للتوجه الى دير الزور. كذلك الأتراك ينطلقون منه حاليا لتوجيه صفعة لأخصامهم التاريخيين (الأكراد) مستفيدين من تمادي موسكو باستفزاز واشنطن.