لا شيء يمنع عودة العلاقات القطرية مع حزب الله إلى ما يشبه وضعيتها السابقة من دون أن يعني ذلك اقتراب الرؤى بعضها من بعض في ما يتعلق بالأزمة السورية. فالرؤية القطرية - التركية تجاه الوضع في سورية كانت ولا تزال داعمة لجماعات إرهابية كأحرار الشام وفصائل أخرى، فضلاً عن الانفتاح الكبير للدوحة على جبهة النصرة.

إنّ التطوّر الطبيعي لسياق الأمور يشي بحاجة الدوحة لإعادة تعويم علاقاتها السابقة، خاصة أنّ العلاقات الإيرانية - القطرية لم تنقطع وعادت إليها الحرارة إثر الأزمة الخليجية وقبلها، بإعلان الدوحة العودة لإنتاج الغاز من حقل الشمال البحري، أكبر حقول الغاز المشترك مع إيران، بعد توقف لمدة 12 عاماً.

تسود الأوساطَ السياسية اللبنانية وجهتا نظر حول كيفية التعامل المستقبلي مع قطر. الأولى تقول إنّ الدوحة لم تقطع علاقاتها مع معسكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية – حزب الله. فهي تركت قنوات مفتوحة مع هذا الحلف في أكثر لحظات المواجهة صعوبة حول الملف السوري. فضلاً عن أنها أدّت دوراً في ملفات تفاوض عدة كمفاوضات نبّل والزهراء وسحب مقاتلين من مناطق عدة في سورية وإطلاق العسكريين اللبنانيين الذين كانوا مختطفين لدى جبهة النصرة. وهذا ما أكده مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، رداً على سؤال في مقابلة على قناة "المنار" في كانون الثاني عام 2015 أن السيد حسن نصرالله كان سبباً في تحريك وتسريع ملف العسكريين، بإجرائه اتصالات مع الجانب القطري.

لا تغفل وجهة النظر هذه، قضية الصيادين القطريين الذين أوقفوا في محافظة المثنى في جنوب العراق وجرى إطلاق سراحهم في سياق اتفاق المدن الخمس الفوعا، كفريا، الزبداني مضايا، وبُقَين. اتفاق أثمر أيضاً حلاً لهذه البلدات (بخروج المسلحين وعائلاتهم من الزبداني ومضايا)، وطبّقت منه مرحلتان بانتظار المراحل المقبلة المتعلقة بإخراج بعض المسلحين من جنوب دمشق (اليرموك) وخروج نهائي لما تبقى من أهالي الفوعة وكفريا. مع التشديد على أنّ حزب الله كان شريكاً أساسياً ومفاوضاً غير معلَن عنه في هذا الاتفاق، تقول وجهة النظر نفسها، لذلك فإنّ أرضية التواصل مهيأة للتطوّر.

تغمز وجهة النظر هذه، من صورة وزير الثقافة القطري مشعل بن حمد آل ثاني، مصلياً في ضريح المرشد الأعلى الإيراني السابق الخميني. المرقد الذي كان قادة حماس والإخوان يصلون دائماً فيه. لكن هذا لا يكفي. قطر مدعوّة لإجراء نقد عميق لمرحلة معينة. فدورها في الأزمة السورية هو جوهر تلك المرحلة. وضرورة الترجمة العملية. كلام الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني (إيران تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله، ولا يحق لأحد رفض دور المقاومة عند حماس وحزب الله)، يجب تلمُّس آثاره واقعياً لا أن يبقى كلاماً في الهواء.

في موازاة ذلك، تبيّن وجهة النظر الثانية أنّ قطر لا يمكن أن تندفع تجاه الحلف الإيراني. الارتماء في أحضان محور المقاومة يثبّت اتهامات السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضدّها. أيّ أنها محايدة مع الجمهورية الإسلامية. وهذا ليس في مصلحتها. لا تخفي وجهة النظر هذه أنّ قطر لديها مشاريع تختلف بتفاصيلها ومعالمها الأساسية عن مشروع المقاومة. وبما أنها لم تتخلَّ عن خططها لصالح الرياض، برفضها الإذعان للمطالب الخليجية، فهي لن تتخلى عنها أيضاً لصالح طهران. كلّ ذلك بمعزل عن الخلاف السياسي الموضعي والعقدي الذي يمنعها من الجنوح نحو التغيير؛ وبمعزل عن شروط سيضعها حزب الله لقاء الانفتاح وتعزيز التواصل. شروط تتعلق بالمسألة السورية، لناحية تخلّي قطر عن نهج التصعيد العسكري ضدّ سورية بدعمها وتمويلها المجموعات الإرهابية بالسلاح.