هي ليست المرة الأولى التي يصطحب فيها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ابنه تيمور «وريث» سيّد المختارة الذي تردّد مراراً في الانسحاب من العمل السياسي لصالح ابنه لأسباب وأبعاد.

يقول النائب جنبلاط خلال زيارة العاصمة الروسية موسكو قبل أيام «وددت أن يكون تيمور معي في هذه الزيارة»، ومعروف أنها ليست المرة الاولى التي يرافقه فيها نجله الى موسكو، لكن للنائب جنبلاط هذه المرة حسابات تفوق الزيارة شكلاً او توقيتاً. أراد أيضاً أن يرسم عناوين عريضة لحزبه قبل تسليم الأمانة للنفس الشبابي الجديد فيه، والذي يمثله تيمور وليد جنبلاط حسبما بات معروفاً.

يؤكد جنبلاط من موسكو أنه يرغب في أن تعود المياه إلى مجاريها بين المختارة و​روسيا​. هو يدرك تماماً أن أموراً كثيرة تغيّرت، حتى أن ​السفارة الروسية​ في لبنان التي نسجت أفضل العلاقات مع المختارة لسنوات طويلة ومع الحزب التقدمي الاشتراكي، افتقدت حضور الاشتراكيين وشكل العلاقة معهم منذ مرحلة ما بعد اغتيال الحريري، حيث تبدّلت أمور كثيرة وتغيرت لحظة تموضع النائب جنبلاط الى جانب ​السفير الأميركي​ الأشهر في تلك المرحلة ​جيفري فيلتمان​. العلاقة مع روسيا أخذت تتغيّر بعد اندلاع ​الأزمة السورية​ ولم تعُد الأمور كما كانت. فالنائب جنبلاط ذهب بعيداً جداً في تحدّي المصالح الروسية وهو الذي كان رأس حربة في المشروع المؤسس للفوضى بسورية، كمؤيد أو مبارك، كان قد اطلق اكثر من مرة مواقف مريبة، في ما يتعلق بتصنيف المجموعات الإرهابية التي تحاربها موسكو، خصوصاً «جبهة النصرة» التي وضعها ضمن المعارضة المسلحة أو ما سُمّي «الثوار». يعرف جنبلاط أن دخول روسيا إلى جانب الرئيس السوري ​بشار الأسد​ وصمودها معه لأكثر من سبع سنوات هو اصطفاف لم يعُد قابلاً للتبدّل. لا يُخفي مقرَّبون منه أنه «كان يراهن، كما كثر، على تغيّر بالموقف الروسي تجاه الأسد مع مرور الوقت، لكن هذا الكلام لا يعني ثقة جنبلاط بخيار الروس، بل هو رهان على فشل الرؤيا الروسية من الأساس. وهنا كان «الانتظار» لاعباً أساسياً في تآكل عامل الثقة بينهم رغم أن روسيا حرصت على اظهار افضل نماذج التعاون مع الأفرقاء اللبنانيين كلهم وأشدهم تطرفاً حيال الرئيس السوري بشار الاسد، كالرئيس سعد الحريري في مختلف مراحل الازمة».

يجيد النائب وليد جنبلاط تصحيح المواقف وقلبها لصالحه. وهو اليوم بات مدركا لاستحالة تراجع روسيا في موقفها من الرئيس السوري أولاً، بل ومدرك لتقدم مشروعها على الارض السورية اكثر من اي وقت مضى، معترفاً امام المسؤولين الروس بأهمية الدور الروسي الكبير في هذه المنطقة وما يمكّنه من أن يلعب دوراً مفصلياً في ما يتعلق بحلّ الأزمة السورية سياسياً. يصطحب وليد جنبلاط نجله تيمور معه بعد كل هذا التباعد بالمواقف مرسلاً من خلال ذلك رسائل «الودّ» متعددة الاتجاهات للقيادة الروسية، أبرزها انه يعتبر ان العلاقة مع روسيا هي إحدى أهم اولويات الحزب التقدمي الاشتراكي في المستقبل الذي يمثله «تيمور» وأن اي نوع من الخلل في هذه العلاقة غير وارد عند الاشتراكيين، وأن الفرصة اليوم سانحة لتعزيز العلاقة بين الحزب وبين روسيا من جديد على يد تيمور الذي سيكون حافظاً للعلاقة التاريخية التي اسس لها الزعيم ​كمال جنبلاط​ حتى ولو اختلف الحزب وروسيا على شكل العلاقة مع سورية.

سياسياً، وأبعد من «تيمور»، تتخذ الزيارة الخاصة التي قام بها النائب جنبلاط طابعاً سياسياً مباشراً ومنسجماً مع محطات محلية أساسية. فهو يدرك ان المرحلة التي بات فيها العماد ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية هي نتاج جوجلة الأحداث الإقليمية برمّتها ودخول عنصر قوة فرضه حزب الله، كطرف قادر على التمسك بمرشحه حتى النهاية. وهو الموقف الذي لم يكن مطروحاً في لحظة استبعاد جنبلاط بداية اسم عون كمرشح رئاسي مع موافقة مباشرة على طروحات لأسماء وسطية في المرحلة السابقة للإبقاء على ما يشبه مرحلة الرئيس سليمان. المتغيرات المحلية فرضت حضورها حكومياً حيث التقارب بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل ومن خلفهما حزب الله الذي ساهم بعودة الحريري رئيساً للحكومة، وكل هذا بالحساب الداخلي نتيجة المتغيرات الإقليمية وما يعنيه من تقدّم المحور الذي ينتمي إليه حزب الله، أكان في حلفه مع سورية أو إيران ومن خلفهما روسيا.

لقاء جنبلاط بالوزير لافروف كان أساسياً، وهو الذي حرص على التوضيح أمام وزير ​الخارجية السعودية​ ​عادل الجبير​ مرة «إن حزب الله شريكنا في المعركة وليس إرهابياً»، يعرف جنبلاط اليوم أبعاد الدور الروسي في المنطقة مستقبلاً وصعوبة إعادة تموضع الغرب من جديد، والمظلة الروسية تُرخي بظلالها على سورية والجوار في المرحلة المقبلة، لتأكيد ضرورة إعادة المياه الى مجاريها بين الاشتراكيين اللبنانيين والروس أنها أولوية جنبلاط اليوم ومستقبلاً في مرحلة يجسّدها تيمور نجله الذي يبدو أنه يتحضّر برفقة والده إلى مسار طويل من جولات التعارف الخارجية «المعلنة» هذه المرة، بعدما انتهى من سبر مياه أعماق البحار السياسية اللبنانية العكرة.

وبمحصلة الزيارة «الأبعد عن الصخب» عبر النائب جنبلاط عن رغبته في تصفية قلوب المسؤولين الروس… ربما قام هو بما يراه مناسباً، ليبقى على روسيا إرسال اشارات تقبل هذه الخطوة من «البيك» أو عدمها بالمرحلة المقبلة.