يختبر الصحافي ظروفاً وأحداثاً وتطورات ما يبدو ضروباً من الخيال. ولقد مرّ عليّ في مساري المهني الطويل الكثير ممّا يدخل في باب الغريب والطريف و... الأحمق أيضاً.

وما زلت أحتفظ برسالة كان أحد القراء أرسلها لي من سجنه في إحدى ​الإمارات العربية​ حيث كان ينفّذ حكماً بالسجن بتهمة محاولة إختطاف طائرة... أمّا ما طلبه مني في تلك الرسالة فهو في غاية «البساطة». فقط كان يريدني أن أشكّل مجموعة شبان تتولى خطف طائرة وتشترط إطلاق السجين إياه كي تنهي عملية الخطف! فمن يصدّق هذا المطلب؟!.

وبعض الرسائل والملاحظات والإنتقادات يُذهل، ما دفع أحد الزملاء الكبار لأن يدعوني لأكتب في الجهل والحماقة. وها أنا ألبي:

إنّه الجهل! وإنها الحماقة!

قال الإمام الشافعي: «ما جادلت عالماً إلاّ غلبته، وما جادلت جاهلاً إلاّ غلبني».

وتحضرني الآن، سريعاً، مجموعة أقوال قيلت في الجهل والحمق منها:

لا مصيبة أعظم من الجهل.

لسان الجاهل مفتاح حتفه.

كالحادي وليس له بعير.

من تدخل في ما لا يعنيه نال ما لا يرضيه.

يدهن من قارورة فارغة.

يذبح الطاووس لجمال ريشه.

الذي لا يعرف الصقر يشويه.

باع كرمه واشترى معصرة.

حافٍ يسخر بناعل.

رُبّ زارع لنفسه حاصدٌ سواه.

ربما أراد الأحمق نفعك فضرّك.

شر البلية ما يضحك.

كناطح صخرة يوماً ليكسرها/ فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ

لكل داء دواء يُسْتَطَبُّ به/ إلا الحماقة أعيت من يداويها

أقول له عمراً فيسمعه سعداً / ويكتبه حمداً وينطقه زيداً

عليّ نحت القوافي من معادنها / وما عليّ إذا لم تفهم البَقَرُ

وإنّ عناءً أن تفهم جاهلاً/ فيحسب جهلاً أنّه منك أفهمُ.

وأستأذن القارىء لأذكّر بما نشرتُهُ ذات عجالة عن شاعرنا الكبير الراحل ​سعيد عقل​ الذي تحدّث عن أحدهم واصفاً إياه بأنّه «موهوب». وكان ذلك الـ«أحدهم» معروفاً بشدّة غبائه... فاستغرب الحضور أن يُسبغ عليه صاحب «قدموس» و«رندلى» و... صفة «الموهوب»... فضحك سعيد عقل، مكتفياً بالقول: فعلاً هو موهوب... إنه موهوب تفاهة!

ولقد يكون مفيداً التذكير بالبيت الشهير في معلقة عمرو بن كلثوم الذي عاش في الجاهلية (قبل الإسلام) وتوفي في العام 39 قبل الهجرة (584 ميلادية) وقد ساد قومه وهو، بعد، في الخامسة عشرة من عمره. مطلع المعلقة مشهور وهو:

ألا هبّي بصحنك واصبحينا/ ولا تُبقي خمور الأندرينا

والبيت الذي يهمنا من المعلقة هو:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا.