من يستمع اخيراً الى وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ يشكو وينعي لا بد له الا ان يضع يديه على صمامات قلبه كي لا تنفجر من الغضب او من الخوف. وللامانة ان نهاد المشنوق يكاد يكون من بين الساسة اللبنانيين الذي يجرؤ على "الفجات الواقعية" كما يقول زياد الرحباني في احدى مسرحياته. ويكاد يكون الوحيد الذي يخبر عما يجري داخل الكواليس الحكومية والسياسية اكان سيئاً ام خيراً. وفي اطلالاته المكثفة اخيراً اوضح وزير الداخلية ان التدخلات السياسية فعلت فعلها في إطلاق سراح معظم "الابطال" الاشاوس الذين حققوا استقلال لبنان الجديد عبر إطلاقهم الرصاص العشوائي في سماء لبنان ولماذا لاجل نيل ابنائهم او اقاربهم او اخوتهم شهادة رسمية متوسطة.

وما قاله المشنوق عن تدخلات سياسية أدت الى إطلاق سراح 91 موقوفاً وابقاء 7 منهم قيد التوقيف يؤكد ان اهل السياسة ليسوا مؤتمنين على الدولة ولا على القضاء وبطبيعة الحال ليسوا كلهم بل بعضهم او الغالبية. والاسباب التي فرضت تدخل اهل السياسة هي الانتماءات الحزبية والطائفية والسياسية للموقوفين والذين يتوزعون على كل الطوائف بالمناسبة ولا ينتمون الى طائفة بعينها حتى لا يخرج احد ويزايد على طائفة ما او على السلاح غير الشرعي. وفي رده على كلام المشنوق أكد وزير العدل ​سليم جريصاتي​ ان اطلاق سراح الموقوفين مرتبط بعدم وجود دليل او ما يوثق حادثة إطلاق النار ولم يعد كافياً الاتكال على معلومات "المخبرين" الذين توظفهم ​قوى الامن الداخلي​ والاجهزة الامنية الاخرى هذا بالاضافة الى شهادات الاقارب والجيران واهل الحي الذين يعانون من تصرفات مطلقي النار التي تتكرر في كل مناسبة فرحة او حزينة غضب او انشراح بمناسبة او من دون مناسبة.

وبعيداً من المزايدات الانتخابية والسياسية والتي بات لبنان يخضع لها هذه الايام ويخلطون بين الشخصي والسياسي وبين المطلبي والانتخابي كلها قضايا باتت متداخلة ومترابطة الى درجة الانصهار والتمييع، فإن المطلوب اكان من المشنوق او جريصاتي اي بين الضابطة العدلية والسلطة القضائية ان يقوما بواجباتهما كافة وفي هذه الحالة، لا بد من التنويه بما قام به الامن الداخلي عبر نشر اسماء مطلقي النار ومن ثم توقيفهم وكذلك الاشادة بجرأة المشنوق الذي اكد ان التدخلات السياسية اجبرت القضاة على الطلب من القوى الامنية إطلاق سراح الموقوفين مقابل سندات كفالة او ضمان محل الاقامة.

والمطلوب من جريصاتي ان يبقى كما توليه وزارة العدل ناطقاً بالعدل وبصوت الحق وخير ممثل للاصلاح والتغيير ولعهد الرئيس ميشال عون الذي نربأ به ان يتخلى عن الشعارات التي كان يطلقها منذ عودته في العام 2005. فلا تقوم دولة اذا ما كان سياسيوها فاسدين ويحاضرون بالعكس. ولا تقوم دولة اذا كان كبار الموظفين فاسدين والساسة الكبار يحمونهم ويتسترون عليهم. واذا سيق احدهم الى القضاء لا نلبث ان نراه طليقا ومحرراً لعدم كفاية الدليل على غرار حالة ​عبد المنعم يوسف​ وشركائه في الانترنت. ففي لبنان عشرات الحالات الشبيهة فلماذا يحاكم بعضهم وتمنع المحاكمة عن البعض الآخر. ولماذا يحاسب الضعيف وغير " المسنود" ومن "لا ظهر" له ويخلى سبيل "المدعوم"؟

والى متى يبقى القضاء رهينة بيد السياسيين وحساباتهم؟ والى متى يبقى القانون رهينة بيد الامزجة والحسابات الشخصية والفئوية والحزبية؟

وكيف نعول على بناء دولة قانون ومحاسبة ومؤسسات ونحن نمعن في اضعاف القانون وهيبة والقضاء ولا نحترم المحاكم ولا نركن اليها؟

فهل المطلوب ان يصنع كل مواطن دولته وقانونه ومحكمته؟ وهل المطلوب من كل مواطن ان يأخذ حقه بيده؟

ومن هو المستفيد اخيراً من انهاء الثقة واعدامها بين الدولة والمواطن؟ اسئلة برسم العهد والحكومة الجديدة.